من قلبي عشق لبيروت

لينا دوغان
لينا دوغان

كيفك اليوم يا بيروت في ظلامك الحالك وجدرانك المضرجة وشوارعك المرعبة وبيوتك الحزينة؟ كيفك اليوم من ماضٍ ليس ببعيد أيام كنا نمشي في شوارعك فرحين بإعادة إعمارك، بقلبك الذي عاد ينبض، بوسطك الذي ضج بنا وبضحكة أطفالنا الذين كانوا يحملون ألعابهم ليل نهار يدورون حول ساعة البرلمان وفي الشوارع المحيطة؟ أما نحن الكبار الفرحين لفرحة أولادنا فتكون محاولاتنا في تلك الأثناء حجز طاولة في أحد المقاهي علنا نجد، لنكون من المحظوظين إذا ما وجدنا واحدة.

… كيف هي أسواقك يا بيروت؟ بعد أن كانت هذه الأسواق مركزاً كبيراً ومهماً أضحت مدينة للأشباح وها هو آخر ركن ثقافي يقفل أبوابه فيها وهو “مكتبة أنطوان” حيث كنت بناتي وأنا حين ننهي التسوق لا بد لنا من المرور عندها لشراء كتبنا أو أي غرض للمدرسة…

من منا لم يسمع عن بيروت في الستينيات والسبعينيات؟ من منا لم يخبره أهله عن هذه المرحلة الذهبية من عصر عاصمتنا التي صُنفت كرابع العواصم جمالاً وازدهاراً في العالم لناحية السياحة والثقافة والاقتصاد؟

هل لنا أن نمر على شارع الحمراء مثلاً في هذه الحقبة حيث غنت فيروز في البيكاديللي وأيضاً داليدا؟ كان يمثل هذا الشارع سحر بيروت وجامع الناس من كل الأطياف وهو ملتقى المثقفين والفنانين في مقاهيه ومسارحه ودور السينما. وإذا كانت ذاكرتنا لا تقودنا إلا إلى مرحلةِ دُمرت فيها كل معالم بيروت الجميلة بحروب عبثية شُنت من هنا وهناك على أرضها، إلا أن ذاكرة أهلنا تشعل فينا حب صورة بيروت الجميلة إن كان وسط بيروت مروراً بمناطقه المحاذية التي توصلنا الى بحره الجميل وصولاً الى عين المريسة والروشة، وما أدراك ما الروشة في تلك الأيام من أيام بيروت الجميلة حين كانت بيروت مضاءة بصخرتها وفنادقها ومطاعمها المطلة على البحر وأيضاً بصياديها…

ويا بحر بيروت أنت تعرف في سرك وسرها أنها مدينة تنهض، أنها مدينة لا تموت، تواجه دائماً، فكما نهضت من زلزال دمرها كذا نهضت من حربها وحروب الآخرين عليها، عصية هي على كل ما يصيبها لذا أمسكت وتمسكت بيد رجل الإعمار الشهيد رفيق الحريري الذي أعاد الى بيروت رونقها ودورها وسياحتها وثقافتها واقتصادها، إذ جاءها حاملاً خطته الإنقاذية بعد توقيع اتفاق الطائف الذي لم يُنفذ منه بند حتى يومنا هذا أقله اللامركزية الإدارية التي تساعد بيروت على العيش ببيارتتها… وإذا قلنا إن بند انسحاب الجيش السوري تم فهو على دم رفيق الحريري وعُدنا الى العد العكسي والتنازلي لبيروت من جديد التي تبين أن السيطرة عليها هي البند الأول الذي يريدون تنفيذه خاصة بعد استباحتها في ٧ أيار واستُكمل المشهد في ٤ آب بانفجار مرفأ بيروت أو بيروتشيما… وماذا بعد يا بيروت؟ ماذا بعد يا قلب الشرق؟ يا من أحبك الأمراء وتغزل بك الشعراء ماذا بعد؟ الجميل فيكِ أنك عصية على الرغم من الوجع والألم والحزن، وأبية على الرغم من المآسي والضيق والوجوم، مترفعة عن كل محاولاتهم لضربك وتقسيمك وشرذمتك وجعلك بيروتهم لا بيروتنا… نحن نريدك أن تعودي لنا بيروت درة الشرق ومقصد المحيط والخليج، كلنا ثقة بأنك ستقومين كما دوماً أقوى وأصلب وأجمل ونحن يقع على عاتقنا دور مهم ألا نكون شهود زور على قيامتك، بل شهود حاضرون بقلوبنا وعقولنا وضمائرنا معك أنت يا سيدة المدائن يا بيروت.

شارك المقال