هل تسقط الحقيقة مع سقوط الإهراءات؟

نور فياض
نور فياض

عشية الذكرى الثانية لانفجار بيروت، شاءت الصدف أن تسقط اهراءات القمح لتعود بنا الذاكرة الى الرابع من آب ٢٠٢٠، وفي حين يرى البعض أن الشاهد الأخير على أحد أقوى الانفجارات في العالم سقط لطمس حقيقة ما حدث حينها، يعتبر البعض الآخر أن سقوطها قضاء وقدر. ولكن على الرغم من اختلاف الآراء يتفق الجميع على أن لا شيء ينسينا انفجار المرفأ ولا مسار التحقيق الذي وعدنا بمعرفته في غضون أيام ولا يزال حتى اليوم مجهولاً ومضللاً لأغراض سياسية.

من الممكن أن يكون الحريق مفتعلاً، وامتد بسبب قوة الحرارة ليطال أجزاء من الاهراءات، بحسب ويليام نون الذي دعا في حديث لـ”لبنان الكبير” الى أن “نأخذ الموضوع بطريقة ايجابية، فالشعب كان خائفاً لا يدري ماذا يفعل في ٤ آب، وربما خاف من الغبرة التي قد يسببها سقوط الاهراءات التي تحتوي على قمح معفّن”، معتبراً أن “الأمر الايجابي في ما حدث أن الجزء الخطر قد سقط وبقي جزء من الطرف الجنوبي وآخر من الشمالي ليخلدا ذكرى ٤ آب.”

اما في ما يتعلق بالغبرة التي تسبب بها سقوط الاهراءات فهي بعيدة عن أماكن تواجد الناس ولن تكون حجة لمنع التحرك المفترض نهار الذكرى، كما أكد نون، مشيراً الى “أننا التقينا رئيس الحكومة ووزير الاشغال والمعنيين بموضوع هدم الاهراءات وإن ارادوا هدمها فهم بحاجة الى جرافات كبيرة وعملاقة غير متوافرة في لبنان وبالتالي لا قدرة لهم عى إسقاط ما تبقى منها”.

أضاف نون: “لبدو يوقع يوقع، يبقى الجزء الصلب معلماً للذكرى الأليمة واذا أرادت الدولة اخفاء آثار الجريمة فسنلجأ فوراً الى التحرك الميداني.”

من هنا، يجب التعاطي مع الوقائع، فالحريق الذي لم تعرف مسبباته اندلع في ضوء غياب التحقيقات، ولكن النتيجة أن بعض الصوامع انهار، بحسب ما قال أحد أبناء شهداء المرفأ ايلي حصروتي، مؤكداً “السعي بالسبل المتاحة أمامنا الى خدمة قضيتنا، ولا يهم اذا كان الحريق مفتعلاً أو غير ذلك فالتحقيق هو الذي يحدد السبب. اما نحن فدفعنا ثمن العنف والفساد وقضيتنا هي قضية حق ومستمرة، وسننتصر طالما هناك شاهد للحق لأن الجريمة المرتكبة موصوفة بأنها ضد حقوق الانسان.”

السعي اليوم هو الى المحاسبة وتحقيق العدالة وليس لاسترجاع الضحايا، كما شدد حصروتي، مشيراً الى “أننا نسعى لنعيش بكرامتنا وفي الوقت نفسه يجب أن نأخذ كل التدابير لما حدث من تفجير وغيره بغية عدم السماح بتكراره. وسنكمل مسيرتنا مع صوامع أو من دونها لمعرفة حقيقة ما جرى ولنحدد المسؤوليات ونحاسب الفاعل كي لا ترتكب مثل هذه الجريمة مرة أخرى ولنعاقب مرتكبيها حتى يكونوا عبرة لمن اعتبر”.

اما في ما يتعلق بمسار التحقيق ومعرفة الحقيقة، فاعتبر حصروتي أن “ايجاد أي معطيات في سياق معرفة الحقيقة، في ظل الظروف الموجودة في البلد من النظام والمنظومة القائمة، ستكون في مكان ما متلاعباً بها لمراعاة الأطراف كافة”، لافتاً الى “أننا سنكمل لمعرفة الحقيقة اذا لم يكن الآن فربما يوماً ما، والتحدي الكبير لنا أن نحافظ على القضية الى أن تحين الظروف التي تسمح لهذه الحقيقة بأن تنكشف والعدالة تتحقق”.

كالعادة، عند حدوث أي كارثة في لبنان تتبخّر الحقيقة بسبب تدخلات سياسية ومحسوبيات. سنتان مرّتا على بيروتشيما والأيام الخمسة لمعرفة الحقيقة ستصبح خمس سنوات وربما خمسين سنة، وسيبقى الملف مع أقرانه المتواجدين في الجوارير. اما الدولة فتحصر تحركها فقط بإعلان الحداد وتنكيس الأعلام في كل ذكرى وإطلاق الهتافات الشعبوية. وبخلاف ذلك مهما فعلت الدولة وقصّرت تجاه الكوارث لا تستطيع محو الألم من الذاكرة ولا تضميد الجروح الا بكشف الحقيقة. فهل ستصمد أجزاء الاهراءات المتبقية وتهزّ ضمائر المسؤولين؟ الرحمة للشهداء على أمل ألا يذهب دمهم هدراً.

شارك المقال