ميشال سماحة… من “حمائم” الكتائب إلى “صقور” الارهاب!

ياسين شبلي
ياسين شبلي

عشية الذكرى الثانية لجريمة تفجير مرفأ بيروت في الرابع من آب وفي مفارقة غريبة وملفتة، خرج “الإرهابي” ميشال سماحة من السجن الذي كان دخله منذ العام 2012 بأحقر تهمة، ومن ثم حُكِمَ عليه بأخسّ جريمة يمكن أن يتصورها أو يرتكبها عقل بشري بحق بلده وشعبه، ألا وهي التآمر مع دولة أخرى لنشر الإرهاب وتنفيذه بحق المدنيين الآمنين، وتعريض البلد لفتنة طائفية عبر التفجير والاعتداء بالقتل على رجال دين من طوائف مختلفة في ظروف دقيقة كان يمكن لها أن تودي بالبلد إلى آتون حرب لا تُبقي ولا تذر، لولا عناية الله وكفاءة ويقظة رجال صدقوا ما عاهدوا الوطن والشعب عليه من شرف وتضحية ووفاء، وعلى رأس هؤلاء كان اللواء وسام الحسن الذي ما تردد ولا بخل بدمه وحياته في سبيل إنقاذ بلده وناسه من “إرهابي خسيس” من وزن ميشال سماحة، مع علمه بخطورة القبض عليه وتداعيات هذا الأمر على حياته، فاستحق وسام الشرف برتبة لواء الشهداء، واستحق ميشال سماحة الإدانة والسجن بجريمة مشينة تمس كل القيم الانسانية والوطنية النبيلة، لينتهي وتاريخه في مزبلة الوطن والتاريخ.

ميشال سماحة – لمن لا يعرفه من الجيل الجديد – هو قيادي كتائبي سابق، إنتسب إلى الحزب في العام 1964 ليتولى لاحقاً مسؤولية القطاع الطلابي فيه، ما مكّنه من إقامة علاقات وصلات مع القطاعات والشخصيات الطلابية في الأحزاب الأخرى التي أصبحت فيما بعد وفي فترة الحرب الأهلية قيادات حزبية وسياسية، وذلك عندما كانت الجامعات “مصنعاً” للقيادات الحزبية والسياسية في البلد، ما أهَّله لاحقاً للعب أدوار سياسية إبان الحرب الأهلية حيث كان من المكلفين مع غيره ممن أطلق عليهم لقب “حمائم” داخل حزب “الكتائب اللبنانية” ومن أبرزهم يومها كريم بقرادوني، بالاتصالات بين الحزب وسوريا التي كان من بين نتائجها لاحقاً دخول الجيش السوري إلى لبنان في ما سمي بإتفاق الأسد – مورفي، وبطلب من رئيس الجمهورية آنذاك سليمان فرنجية، وبمباركة أقرانه في “الجبهة اللبنانية” التي كانت تمثل قوى اليمين المسيحي بجناحيه حزب “الكتائب اللبنانية” بقيادة الشيخ بيار الجميل، وحزب “الوطنيين الأحرار” بقيادة الرئيس الأسبق للجمهورية كميل شمعون، لمواجهة التمدد العسكري لقوى تحالف اليسار اللبناني بقيادة الزعيم كمال جنبلاط والمقاومة الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات. ونظراً الى التشابك السياسي – الأمني في لبنان خاصة إبان الحرب الأهلية، كان ميشال سماحة مقرباً من جهاز الأمن في حزب “الكتائب” بداية ومن ثم “القوات اللبنانية” بعد توحيد “البندقية المسيحية” في المنطقة الشرقية من بيروت آنذاك، وهو الجهاز الذي كان يرأسه إيلي حبيقة، ما أثار “تساؤلات” بقيت في الاطار الاعلامي لا أكثر، عن دوره وحبيقة ومكان تواجدهما إبان إغتيال الرئيس المنتخب للجمهورية اللبنانية عام 1982 بشير الجميل الذي قتل بتفجير حقيبة في مقر حزب “الكتائب” في الأشرفية، العملية التي نفذها العضو في الحزب “السوري القومي الإجتماعي” حبيب الشرتوني.

في العام 1985 ترك ميشال سماحة حزب “الكتائب” بعدما أعلن تأييده للانتفاضة التي قام بها كل من إيلي حبيقة وسمير جعجع على قيادة “القوات اللبنانية” الموالية يومها لحزب “الكتائب” والمكتب السياسي فيه والمتمثلة بفؤاد أبي ناضر، هذه الإنتفاضة التي قادت إلى توقيع الاتفاق الثلاثي بين “القوات اللبنانية” وكل من حركة “أمل” والحزب “التقدمي الإشتراكي” برعاية سورية، والذي أدى بدوره إلى إنتفاضة ثانية قام بها سمير جعجع بداية العام 1986 بدعم من سلطة أمين الجميل يومها والجيش بقيادة ميشال عون الذي نجح في إخراج إيلي حبيقة وأنصاره من الشخصيات التي حوصرت معه يومها في المجلس الحربي الكتائبي في الكرنتينا، فيما اعتبر يومها بمثابة “دفعة على الحساب” أو تقديم أوراق إعتماد للنظام السوري على أمل تبنيه لاحقاً كرئيس للجمهورية.

بقي ميشال سماحة محسوباً على تيار إيلي حبيقة – وبالتالي على النظام السوري – في الفترة ما بين خروج حبيقة من المنطقة الشرقية وحتى بدء سريان إتفاق الطائف، الذي دخل سماحة عام 1992 ثاني حكوماته ما بعد إنهاء تمرد ميشال عون كوزير للاعلام والسياحة في حكومة الرئيس رشيد الصلح، التي أجرت أول إنتخابات نيابية بعد الحرب الأهلية، بحيث ترشح ميشال سماحة وفاز فيها بمقعد عن دائرة المتن، ليعيّن بعدها وزيراً للإعلام كذلك في حكومة الرئيس رفيق الحريري الأولى التي شكلت عقب إنتهاء الانتخابات. فشل في الاحتفاظ بمقعده النيابي عامي 1996 و2000 أمام النائب أنطوان حداد، ليعود ويعيّن وزيراً للإعلام من “حصة السوريين” في حكومة الرئيس رفيق الحريري الأخيرة بين نيسان 2003 وتشرين الأول 2004 حينما استقال الرئيس الحريري بعد التجديد لاميل لحود مستودعاً الله “هذا الوطن الحبيب لبنان” فيما كان يبدو مؤشراً الى وصول الوضع في لبنان إلى الطريق المسدود، خاصة بين العهد وراعيه النظام السوري والرئيس الشهيد رفيق الحريري، وكان ما كان من زلزال 14 شباط 2005، وإنقسام البلد أفقياً بين طرفي 8 و14 آذار، وكان من الطبيعي لشخص إنتهازي كميشال سماحة أن يكون في صف قوى 8 آذار المسيطرة بقوة الأمر الواقع والتي كانت تعمل بهدي شعارها “شكراً سوريا”. ومع تطور الأحداث وتصاعدها في لبنان والمنطقة قبل الثورة في سوريا وبعدها، كان دور ميشال سماحة “يتطور” سلباً، ما دفع الادارة الأميركية عام 2007 إلى الاعلان عن قرارها منعه من دخول أراضيها بدعوى “التورط أو إمكان التورط في زعزعة الحكومة اللبنانية” في موقف إستباقي إتضح مدى صحته لاحقاً، ليصبح بعدها “مستشاراً” لرئيس النظام السوري بشار الأسد، هذا المنصب الذي كان واجهة لتغطية دوره الحقيقي والقذر كعبد “مملوك” لعبد مملوك، فوقع في شر أعماله بالصوت والصورة، ليتم توقيفه يوم 8 آب من العام 2012، ويحكم عليه بالسجن أربع سنوات ونصف السنة في العام 2016، ويطلق سراحه مقابل كفالة مالية الأمر الذي أثار جدلاً كبيراً وإنتقادات حادة للحكم الذي رأى فيه البعض خضوعاً لاعتبارات وإملاءات سياسية، ما دفع بالمدعي العام الى استئناف الحكم بحيث قضت محكمة التمييز العسكرية بسجنه مدة 13 عاماً مع الأشغال الشاقة، وهو الحكم الذي إنتهى مفعوله امس على إعتبار أن السنة السجنية تحتسب 9 أشهر، ليسدل الستار على قضية من أخطر القضايا السياسية والارهابية في لبنان، وإن كان الستار الأخلاقي لن يسدل على هكذا قضية مهما طال الزمن، وستبقى وصمة عار على جبين هذا “الإرهابي” ومشغليه أعداء لبنان والإنسانية، مهما حاول البعض التخفيف من وقعها على إعتبار أنه نال جزاءه، أو البعض الآخر الذي ما لبث يتحدث عن “مظلومية” هذا الإرهابي الذي وصفه أحد “أصدقائه” بحق، وهو العالِم ببواطن الأمور الأمنية، بأنه “حمار”.

شارك المقال