نشأت الكافر… ووكالة غيْره الإلهية

علي الرّز
علي الرّز

مدّعي النبوة اللبناني نشأت مجد النور هو كالعشرات غيره من العرب المضطربين نفسياً أو الحالمين أو المتقمّصين لأفكار كبرى. وأماكن هؤلاء الذين يكتفون بالكلام ليس السجون أو المَخافر بل عيادات أطباء نفسيين في أفضل الأحوال.

نشأت اللبناني ادّعى أنه مرسَل “لمتابعة قِيَم الخير والمحبة والسلام التي زخرت بها الأديان السماوية”. سخر منه كثيرون فردّ عليهم بالكلمة لا بالسلاح. جَنَحَ إلى الإطلالات اليومية، فسقط في فخ الانكشاف وعشْق الشهرة وهوَس الحضور، وانكشفَ تاريخُه من النقر على الطبلة إلى تدريب اليوغا، مروراً بمحاولته اللجوء في أوروبا. أعطى نوعاً من ألوان التسلية لشعبٍ يعيش الموتَ كل يوم، وبدا سطحياً، هزيلَ التقديم، خفيفَ الفكرة، كاريكاتوري اللحظة.

في المقابل، لماذا لا تقال الأمور كما هي؟

هناك زعماء يتحكّمون بنا لا يدّعون النبوة أو القداسة، بل يحلّلون لأتباعهم قتْلَ مَن يدّعي ذلك بحجة الدفاع عن العقيدة. لكنهم يَنْتَشون بفكرة القداسة التي يملكونها من دون إعلانٍ، ويطلقها عليهم أتباعُهم الذين يفْدونهم “بالروح بالدم”. أي أن “الجمهورَ” مستعدٌّ للتخلي عن أمانة الدنيا وتكليف الحياة اللذين أسبغهما المولى عزّ وجلّ على عباده بقرارٍ ممّن يعيش بدوره وَهْمَ التكليف القدسي.

وتطوّرت القصةُ، وخصوصاً مع سيادة الأحزاب الدينية العقائدية، إلى أن صار الحزبيّ مستعداً لقتل مَن يشْتم زعيمَه وقادراً في الوقت نفسه على مسامحة مَن يكفر بالله.

تطوّرت القصةُ أكثر، فعندما تُخالِطُ الأعضاء والأنصار تجد مَن يهمس في أذنك أن للزعيم “كرامات” وأن أمّ المسؤول الفلاني أضاعت شيئاً ثميناً في المنزل وكانت مهمومة، فظهر الزعيم في المنام وأرشدها إليه، وأن المقاتل فلان حوصر وبينه وبين الموت ثانية، ثم هوت صاعقة على رأس مَن كان مكلَّفاً قتْله فصرعتْه. ثم يستحلفك ألا تروي القصةَ لأحد لأن الكرامةَ “تَظهر ولا تُظهر نفسها”.

ماذا فعل نشأت؟ هل قاد جحافل الملتزمين مع خطابه كالقطعان إلى الموت هنا وهناك؟ هل صوّر لهم أن المعركةَ مثلاً مع فصيلٍ آخَر في القرية نفسها أو المدينة نفسها هي دفاع عن الدين والعرض؟ هل عاد وقال لهم إن مسامحةَ مَن تقاتلوا معهم واجبٌ ديني وإن القتلى مِن الطرفين “نحتسبهم شهداء وكفى الله المؤمنين شرّ القتال”؟ هل عَبَرَ بهم الحدودَ مُزَلْزِلاً الأرضَ تحت بيوت الآمنين وسَفَكَ دماء مَن ثاروا على الظلم؟ هل أَدْخَلَ نيترات الأمونيوم إلى مرفأ بيروت مُفَجِّراً نصف المدينة؟ هل غطى بصولجانه كل أنواع الفساد والمُفْسِدين؟

هل سيطر نشأت على العواصم بقوة السلاح؟ هل احتلّ السلطةَ وعطّل البلدَ ليتسلّمها مع أدواته لاحقاً؟ هل خَنَقَ الاقتصادَ وقَطَع الأرزاقَ وبَدَّدَ مَداخيلَ العمر؟ هل عَزَلَ البلادَ عن محيطها ورَهَنَها مع سكانها ورقةً في ملفات الآخَرين؟

نشأت – النبي المزيّف – الذي يحتاج علاجاً نفسياً، قال إنه يحمل رسالةَ خيرٍ ويؤمن بكل الأديان ويصدّق جميع الرسُل. بشار الأسد كانت ميليشياتُه تُجْبِرُ الناسَ علناً وأمام محطات التلفزة على الهتاف أن “لا إله إلا بشار” ومَن يرفض يُقتل فوراً… ظنّ اللبنانيون أن دعْمَ “حزب الله” المطلق لرئيس البراميل والكيماوي تم بتكليفٍ من قم لكنهم اكتشفوا لاحقاً أن التكليفَ أعلى بكثير من قم.

نشأت الذي ادّعى أنه مرسَل، أُوقف وكاد أن يذهب إلى السجن… ومَن باح بأنه مكلَّفٌ من رب العالمين سَجَنَ لبنان في محور إيران وما زال موْضع تبجيلٍ وتقديس.

شارك المقال