السوريون بين فكي التهجير والترحيل!

راما الجراح

ملف النازحين السوريين يشهد تصعيداً غير مسبوق في لبنان، مع رفع الصوت من جهات رسمية بضرورة عودتهم إلى بلدهم، حتى وصل إلى حد إقتراح التفاوض مع الحكومة السورية من أجل إخراجهم بالطرق القانونية في حال لم يتعاون المجتمع الدولي مع لبنان.

عاد هذا الملف إلى الواجهة وهذه المرة من باب وزارة شؤون المهجرين، اذ رأى الوزير عصام شرف الدين أن مشكلة وجودهم أصبحت تفوق طاقة اللبنانيين على تحملهم سواء من حيث العدد الكبير أو المدة الطويلة لمكوثهم في البلد. وتمنّى على السلطات السورية أن تحدد له موعداً في أقرب وقت لزيارة سوريا، معتبراً أن “البيانات التي تصدر عن مفوضية شؤون اللاجئين هي التي تؤخر اللقاء مع القيادة السورية، ولبنان سينفذ خطته لعودة النازحين بغض النظر عن موقف الهيئات الدولية”.

الباحث في “الدولية للمعلومات” محمد شمس الدين فصل بين الوضع ما قبل الحرب السورية وما بعدها، موضحاً أنّه قبل الحرب في سوريا كانت هناك عمالة سورية في لبنان يتراوح عددها بين ٣٠٠ و٥٠٠ ألف عامل، وأحياناً في المواسم الزراعية أو في حال وجود حركة بناء فإنّ الأعداد تزداد، وكانوا حينها موجودين بمعظمهم كأفراد وتقدّر قيمة تحويلاتهم إلى بلدهم بنحو ٨٠٠ مليون دولار، ولكن مع بدء الحرب تحوّلوا من أفراد إلى عائلات ووصل العدد في مراحل معينة إلى مليون ونصف المليون.

اليوم هناك عمالة سوريّة في لبنان تشكّل منافسة للبنانيين، ومن أصل الـ٩٠٠ ألف نازح الموجودين هناك نحو ٦٠٠ ألف عامل، بحسب ما أشار شمس الدين، لافتاً الى أن “العمالة في السابق كانت مركّزة في الزراعة وأعمال البناء، ولكن مع النزوح أصبحت في كلّ القطاعات، وهذا الانتشار أدّى إلى منافسة اليد العاملة اللبنانية التي أُصيبت بالبطالة وباتت النسبة تفوق الـ٣٨ في المئة”.

فيما أكد مصدر معني بملف العودة عبر موقع “لبنان الكبير” أن “تقارير المنظمات الدولية تؤكد أن الوضع في سوريا غير آمن لعودة اللاجئين، وتم توثيق حالات إعتقال تعسفي وخطف وقتل تقوم بها أجهزة الأمن السورية بحق العائدين من لبنان، بحيث واجهوا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان واضطهاداً على يد الحكومة السورية والميليشيات التابعة لها”.

ويستخدم ملف النازحين السوريين في لبنان من منطلق سياسي لرفع شعبية السياسيين، بحسب ما اعتبر المصدر الأمني “فإذا طالب اللبنانيون بالكهرباء يحمّل السياسيون اللاجئين مسؤولية الوضع بسبب استخدامهم لها، كذلك الأمر في ما يتعلق بالبطالة بحيث يتّهم اللاجئون بمنافسة اللبنانيين وغيرهم”.

وبحسب منظمة “هيومن رايتس ووتش” فان “من بين ٦٥ من العائدين أو أفراد عائلاتهم الذين قابلتهم وثقت ٢١ حالة اعتقال واحتجاز تعسفي، و١٣ حالة تعذيب، وثلاث حالات اختطاف، وخمس حالات قتل خارج نطاق القضاء، و١٧ حالة اختفاء قسري، وحالة عنف جنسي مزعوم”.

خواجة: حان وقت العودة الكريمة

“نحن مع عودة الأخوة السوريين إلى بلدهم، حيث الأوضاع الأمنية هناك آمنة أكثر من لبنان، وهناك العديد من المناطق التي انتهت فيها النزاعات”، بهذه الكلمات عبّر عضو كتلة “التنمية والتحرير” النائب محمد خواجة عن رأيه في ما يخص ملف عودة النازحين السوريين، وقال لموقع “لبنان الكبير”: “ان الفئة الأكبر من الأخوة السوريين تستطيع العودة إلى بلادها، مناطقها آمنة، وهيئات الأمم المتحدة التي تساعدها في لبنان تستطيع مساعدتها أيضاً في سوريا! والإصرار على إبقائهم في بلد كلبنان المنهار إقتصادياً ومعيشياً ومالياً له غايتان، الأولى داخلية لمزيد من الحصار الداخلي للبنان الذي فقد مقومات الصمود، والسبب الثاني أنهم يريدون استخدامهم لأهداف معينة”.

أضاف: “منذ سنوات، عندما كان برميل النفط بـ ٤٠ دولاراً فقط، الأخوة السوريون كانوا يكلفون الدولة اللبنانية نحو ٣٨٥ مليون دولار في السنة، عدا عن استهلاكهم للبنى التحتية والخبز، والمواد المدعومة وغيرها. إذاً وجودهم في لبنان يشكل عبئاً علينا وعليهم، ومن غير المسموح إستخدامهم في السياسة. والأجدى بالهيئات الدولية مساعدتهم في أرضهم، وليست هي من تحدد إذا كانت عودتهم آمنة أم لا، فهناك ملفات يجب أن تُدرس لمعرفة ذلك، وهناك أكثر من ٥٠٪ من السوريين الموجودين على الأراضي اللبنانية يذهبون بصورة دائمة إلى سوريا”.

في ظل الوضع الصعب الذي يعانيه لبنان، يجب على الهيئات الدولية تخفيف العبء عنّا لا زيادته، كما شدد خواجة، مشيراً الى أن المُدن الرئيسة التي تضم نحو ٥٠٪ من الشعب السوري مثل دمشق، حماة، حمص وحلب، الوضع الأمني فيها طبيعي جداً “لذلك نحن مع العودة الكريمة للأخوة السوريين إلى بلادهم تحت إشراف الهيئات الدولية التي عليها مساعدتهم داخل أراضيهم، وأساساً نمط حياتهم في لبنان ليس كريماً وغالبيتهم تسكن في خيم غير صالحة للعيش، ولا بُد أن حياتها في أرضها كريمة أكثر من حياتها هنا، وخاصة أننا بدأنا نلمس في الفترة الأخيرة مشكلات معيشية بين اللبنانيين والسوريين لم نشهدها من قبل”.

ماروني يؤيد مساعي وزير المهجرين

لبنان منهك إقتصادياً، إجتماعياً، صحياً، وبيئياً، ولا شك في أن النزوح السوري ساعد في تفاقم الأزمة، هذا ما قاله الوزير والنائب السابق إيلي ماروني، معتبراً أن “النزوح السوري إلى لبنان كان لا بد منه انسانياً بسبب الحرب، ولكن اليوم هناك أعداد هائلة من النازحين التي تدخل إلى سوريا وتعود إلى لبنان طمعاً بالمساعدات من المنظمات الدولية، في الوقت الذي يعاني اللبناني من صعوبة تأمين ربطة خبز لعائلته”.

وقال: “طالعنا وزير الاقتصاد بمعلومات أن هناك استهلاكاً لحوالي ٤٠٠ ألف ربطة خبز يومياً للنازحين السوريين، في الوقت الذي يقف فيه اللبناني بالطوابير. المجتمع الدولي يساعد النازحين، ولكنه (بالقطّارة) يساعد اللبنانيين الذين أصبح وضعهم في بيوتهم أسوأ من وضع أي نازح. لذلك لا بد من إيجاد حل، والمجتمع الدولي يستطيع أن يفرض على كل الدول المجاورة التي تملك مساحات كبيرة من الأراضي المساعدة في ذلك ليفتح أمام اللبنانيين متنفساً ولو بسيطاً، ويجب أن تبدأ مسيرة العودة شيئاً فشيئاً، بدءاً من السوريين الذي يدخلون أراضيهم كل فترة”.

من الضروري أن يعيد المجتمع الدولي النظر في وضع لبنان وقدرته على استيعاب أعداد النازحين اليوم، وبعدها يمكنه الحُكم ما إذا كنا نستطيع تحمل هذا العبء والصمود في ظل هذه الفوضى، شدد ماروني، مضيفاً: “في جولة سريعة على المخيمات في البقاع مثلاً يمكن أن نشاهد صحون الساتلايت على ظهر الخيم، والطاقة الشمسية وحبال الكهرباء، لندرك مدى خطورة نمط عيشهم، إضافة إلى أننا نستطيع أن نلمس خطورة أن يوطّنوا، وبالتالي لبنان لا يحتمل أي تغيير ديموغرافي. ونؤيد مساعي وزير المهجرين في ذهابه إلى سوريا لايجاد حلول مع السلطات السورية من أجل عودة النازحين”.

معلوف: الموضوع أصبح فوق طاقتنا

النائب السابق سيزار معلوف أيد “العودة الايجابية النازحين السوريين”، مشيراً الى “أننا استضفناهم عندما كانوا بحاجة لوجودنا إلى جانبهم منذ عشر سنوات، وفي النهاية الدولة اللبنانية لا تستطيع أن تتحمل عبء شعبين وهي في الأساس مفلسة!”. وقال: “أتمنى أن لا يعتبر كلامي عنصرياً، وأنا لا أحمّلهم سبب الأزمة، بل وجودهم يزيد من وتيرتها، وأصبح اللبناني يسعى إلى تعليم أولاده في الخارج، أو أن يكون هدفه العمل في الخارج بسبب الأوضاع الصعبة التي نعيشها وعدم استطاعة اللبناني العمل مكان السوري في بلده”.

لبنان بحاجة إلى عمالة سورية، على أن تكون منظمة كما كانت قبل، وتكون لدى العامل إقامة وأوراق رسمية، بحسب معلوف، الذي رأى أن “غالبية النازحين اليوم تعمل في كل القطاعات في لبنان ودخلت بطرق غير شرعية، مما أثر سلباً على العمالة اللبنانية”، داعياً الى وجوب “أن يتم التفاوض بين الحكومتين اللبنانية والروسية التي أعتبرها الوحيدة (يلي بتمون) على الرئيس السوري بشار الأسد لتسهيل عودة النازحين”.

ولفت الى أن “اللبنانيين لديهم من العز والكرامة ما يكفي ليتمنوا لو أنهم استطاعوا مساعدة إخوانهم السوريين في السنوات العشر الماضية للعيش بطريقة أفضل بكثير مما هم عليه اليوم، ولكن الموضوع أصبح فوق طاقتنا و(إذا ميّت على ميّت مين بدو يعيّط)!”.

واعتبر مصدر مقرب من “التيار الوطني الحر” أن “كل الأحزاب السياسية بدأت تشعر بثقل النزوح السوري على كاهل اللبنانيين في كل المناطق وحجم كلفته على الاقتصاد، والدولة السورية أصدرت أكثر من عفو من ضمنها عفو عن أشخاص كانوا يقاتلونها، ولا أعلم ما هذه الحجة ومن يحاول إستخدام هذه الورقة في السياسة”.

شارك المقال