عندما يتحول مهندس “جهنم” إلى حكواتي

ياسين شبلي
ياسين شبلي

هذا القول ينطبق اليوم أكثر ما ينطبق على رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير السابق جبران باسيل، الذي تحول هذه الأيام من مهندس “جهنم” إلى حكواتي يتخذ دور القاضي، ويحكي لنا كل يوم حكاية من حكايات “ألف صفقة وصفقة”، التي يخرجها من جعبته بحسب الجو السياسي وما تقتضيه مصلحة تياره الذي بات ينطبق عليه صدقاً هذه الأيام إسم “تيار الردح الوطني الحر”، باعتبار أن لا شغلة ولا عملة له حالياً سوى الردح السياسي الموجه الى الرئيس المكلف نجيب ميقاتي في محاولة لتطويعه كي يشكل حكومة العهد الأخيرة بطريقة تجعل من باسيل إستمراراً لحكم عمه حتى يقضي “حزب الله” أمر تنصيبه – ربما – مكانه.

فقد حفل الأسبوع الماضي بسلسلة مطالعات في علم “الردح السياسي” تدين أول ما تدين مُطلقها وناشرها بإسم العفة السياسية التي هو منها براء وهي منه كذلك، إذ أن المشكو منه فيها والمتهم الرئيس بها وهو الرئيس نجيب ميقاتي، لم يكن يوماً إلا شريكاً لهذا التيار في الحكم، وإن “كنت ناسي أفكرك” يا جبران، بحكومة القمصان السود التي أعقبت الانقلاب الذي أعلن من الرابية يومها على حكومة الرئيس سعد الحريري وهو في حضرة الرئيس الأميركي باراك أوباما، في “أخسّ” حركة سياسية يمكن أن يشهدها بلد، وأحقر ممارسة وإستغلال سلطة يمكن أن يقوم بها فريق سياسي بحق بلده وشعبه. تلك الحكومة التي كنت تحظى فيها مع حلفائك المباشرين بعشرة وزراء، بحيث كنت طفلها المدلل وقطبها المسيحي الأول بعد أن أطاح الانقلاب ضد حكومة الرئيس الحريري يومها بمسيحيي الرابع عشر من آذار والمستقلين، لتخلو الساحة لك تحت شعار إستعادة الحقوق والمواقع المسيحية في السلطة، وكأن المسيحية باتت مرادفاً لـ”العونية السياسية”، وكل ذلك بدفع ودعم من ولي نعمتك السياسية “حزب الله” لغاية في نفس “يعقوب الممانعة”، والغاية كانت إضعاف مشروع الدولة ومؤسساتها الذي كان يسعى إليه سعد الحريري، والغاية هنا تبرر الوسيلة التي كانت أنت وتيارك الذي بواسطته تم الالتفاف ومن ثم الانقلاب على الدولة، عبر الاتيان بالعهد القوي بقوة المقاطعة لانتخابات رئاسة الجمهورية والفراغ تحت شعار”عون أو لا أحد” فكانت بداية الطريق إلى جهنم، وكنت أحد مهندسيها.

لا نقول هذا الكلام دفاعاً عن الرئيس نجيب ميقاتي، ولكننا نسأل ما دام الرجل بهذا السوء والفساد، لماذا إستمريت بالتعامل معه ولا تزال، وفاوضته في الحكومة الحالية وأخذت حصتك فيها، وتحاول اليوم مقايضته بموضوع تشكيل الحكومة الجديدة لتزيد حصتك طمعاً في التحكم بمصير البلد عبرها في حال لم يتم إنتخاب رئيس جديد في الوقت المحدد، أو المقايضة عبرها لتكون لك الكلمة العليا في موضوع الرئيس المقبل، أم هو الخلاف حول موضوع التجنيس الجديد الذي تريده صفقة نهاية العهد كتعويض نهاية الخدمة؟ كفى متاجرة بهموم الناس وآلامها وقضاياها، كنا ننتظر حراكاً يُسرّع من تشكيل الحكومة لعل وعسى تتركون أثراً طيباً ولو صغيراً في نهاية عهدكم، فإذا بك تفتعل سجالات كيدية كديدنك دائماً من دون خجل أو وخزة ضمير، فالناس ملت منك ومنهم بعد أن خسرت أموالها في بنوككم، وخسرت صحتها في مستشفياتكم، وخسرت مستقبلها في جامعاتكم، التي دمرتموها عمداً بإسم الإصلاح والتغيير، الذي أحال النور ظلاماً في عهدكم، وحوَّل السدود إلى “بالوعات” هدر للمياه، وأعاد الإتصالات إلى عهد الحمام الزاجل، وجعل العلاقات الخارجية تقتصر على دول معينة لا تقدم ولا تؤخر في المشهد السياسي العالمي عبر تجييرها لمصلحة محور سياسي إقليمي مقابل خدمات ومصالح داخلية، وغيرها الكثير مما حصل في “جنة” سلطتكم التي كانت وبالاً على الناس ولعنة أوصلتهم إلى”جهنم” فأذاقتهم السُم.

وبالأمس يخرج علينا أحد جهابذتكم لينذرنا ويهددنا بأننا سنبكي دماً حال خروج “الرئيس القوي” من قصر بعبدا، في إشارة منه ربما إلى أن القصر لم يعد يتسع لغيركم، أو لما هو على شاكلتكم في الاستقواء على شركائكم في الوطن خاصة على رئاسة الحكومة التي بتم ترون فيها هدفاً لعُقَدِكم السياسية، وعقبة أمام تنفيذ وتحقيق أطماعكم في السيطرة على السلطة، وهو ما لن يتحقق مهما حاولتم، فلو دامت لغيركم ما إتصلت إليكم، لو كنتم تعلمون.

شارك المقال