تكليف الله للإنسان ولكن!

السيد محمد علي الحسيني

لقد خلق الله الأرض بكل تفاصيلها بتقدير وحكمة بالغة منه وجعلها مكاناً آمناً مفعماً بكل أسباب الحياة: “قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً للسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَى إلى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ”، وقد هيأ الله تعالى الكون لبني آدم الذين كرمهم: “ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات ” لينعموا بالحياة بسلام ويعمروا الأرض ويحافظوا عليها: “هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا”.

عمارة الأرض من أسباب تكليف الله للإنسان بخلافة الأرض

عندما نفخ الله في آدم من روحه لم يكن ذلك عبثاً أو تسلية “أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لاترجعون”، بل كان لأجل أهداف سامية ووظيفة مهمة تتمثل في تكليف الإنسان بعمارة الأرض والمحافظة عليها على كل المستويات انطلاقاً من قول نبينا الأكرم “ص”: “الإيمان بِضْعٌ وسبعون شُعْبَة، فأفضلها قول: لا إله إلاَّ الله، وأدْناها؛ إمَاطة الأذى عن الطريق”، لذلك فمفهوم عمارة الأرض هو مفهوم واسع النطاق تدخل ضمنه كل معاني إصلاح الأرض والخلق وأعمال الخير، على رأسها وأهمها حفظ الأمن واستتباب السلام، والحفاظ على الطبيعة وحمايتها من التلوث ووضع حد من تحديات التغير المناخي، والاحتباس الحراري؛ الذي يهدد البيئة والبشر على حد سواء، وعمارة الأرض تكون بحسن الأخلاق والإحسان إلى الخلق مهما كانت انتماءاتهم وعقائدهم وطوائفهم، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم قال: “الخلق كلهم عيال الله وأحب خلقه إليه أنفعهم لعياله”.

الإفساد في الأرض يتعارض مع التكليف بعمارة الأرض

يعتقد البعض أن تكليف الله للانسان بعمارة الأرض يسمح له أن يطلق لنفسه العنان للسيطرة على العالم والعبث به، وصحيح أن الله كلفه وجعله خليفة على الأرض ليؤدي رسالة السماء، لكن لم يكلفه بخراب الأرض وينصّب نفسه الناطق الشرعي باسم الخالق ليهيمن على إرادة البشر ويرميهم إلى الهاوية “مِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَاد”.

فعمارة الأرض التي كلف الله عباده بها لم تكن في يوم من الأيام قائمة على إشعال الحروب والفتن، وإذكاء الصراعات الطائفية والعرقية وغيرها، لتأكل تلك النار الأخضر واليابس وتجعل الأرض خراباً غير آمنة ولا تصلح للحياة “وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا”، فعمارة الأرض لا تكون بالشر إنما بنشر الخير ولو في آخر نفس من عمر الإنسان كما قال نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم: “إِنْ قَامَتْ عَلَى أَحَدِكُمْ الْقِيَامَةُ وَفِي يَدِهِ فَسْلَةٌ فَلْيَغْرِسْهَا” وهذا هو التكليف الحقيقي الإلهي للانسان خليفة الله على الأرض.

شارك المقال