ما زالوا يتظاهرون

عالية منصور

قبل أيام كشف وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، أنه أجرى “محادثة قصيرة” مع وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، على هامش اجتماع حركة عدم الانحياز في العاصمة الصربية، بلغراد، في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، في لقاء قد يكون الأول من نوعه منذ اندلاع الثورة السورية في آذار/ مارس 2011.

وفي مؤتمر صحافي على هامش اجتماع للسفراء الأتراك في أنقرة، أكد الوزير التركي “ضرورة تحقيق مصالحة بين المعارضة والنظام في سوريا بطريقة ما”، مشدداً على أنه “لن يكون هناك سلام دائم من دون تحقيق ذلك”، وفقاً لما نقلته وكالة “الأناضول” التركية الرسمية.

وما إن أعلن تشاووش أوغلو عن لقائه بنظيره المقداد وعن ضرورة تحقيق “مصالحة” بين النظام والمعارضة، حتى اندلعت المظاهرات في مناطق الشمال السوري الواقعة تحت سلطة الأتراك إن بالمباشر أو من خلال بعض وكلائهم. ودعا الناشطون الى مظاهرات رافضة لمبدأ المصالحة مع النظام تحت مسمى “لن نصالح” يوم الجمعة، الا أن الناس نزلت الى الشوارع والساحات بعيد اعلان وزير الخارجية بساعات مساء الخميس، ووصل الأمر الى مطالبة الأتراك بالانسحاب من الشمال السوري، في رسالة واضحة أن لا أحد أياً كان نفوذه قادر على فرض مصالحة النظام على السوريين.

ومع ارتفاع وتيرة المظاهرات، حاولت السلطات التركية بداية ومن خلال وكالة الأناضول تعديل ترجمة كلام تشاووش أوغلو، فاستبدلت كلمة “مصالحة” بـ “اتفاق”، الا أن الأمر لم يهدئ من نفوس المتظاهرين وخصوصاً أن النص التركي ومع تقنيات الترجمة الالكترونية المتوفرة مجاناً وللجميع، واضح، فالوزير تحدث عن مصالحة لا عن اتفاق.

لتعود يوم الجمعة وتصدر وزارة الخارجية التركية بياناً، تعليقاً على ما جاء على لسان الوزير، أكدت فيه على الدور “الرائد” الذي تلعبه تركيا “في الحفاظ على وقف إطلاق النار على الأرض وتشكيل اللجنة الدستورية عبر عمليتي أستانا وجنيف”. واعتبرت أن “العملية لا تتقدم بسبب تعنت النظام”، مشيرة في الوقت نفسه الى أن تركيا ستواصل مساهمتها الفعالة في “الجهود المبذولة لتهيئة الظروف المناسبة للعودة الطوعية والآمنة للاجئين وإيجاد حل للنزاع وفقاً لخارطة الطريق المنصوص عليها في قرار مجلس الأمن الدولي 2254”.

في هذه الأثناء كانت المظاهرات في الداخل السوري مستمرة تحت عنوان “جمعة لن نصالح”، فيما المعارضة السياسية الرسمية غائبة تماماً عن السمع فلم يصدر عنها أي تعليق الا بعد صدور بيان الخارجية التركية، في وقت أكدت مصادر مطلعة لـ “لبنان الكبير” أن بيان الائتلاف خضع أكثر من مرة للتدقيق والتصحيح والتعديل من السلطات التركية نفسها قبل أن يصدر بصيغته الهزيلة.

هذا الحدث أبرز 3 مفاجأت لمن كان يتابع الشأن السوري خلال السنوات الـ11 الماضية، فالمفاجأة الأولى وإن لم تكن متعلقة بالشأن السوري وحسب وانما ملاحظة عامة، هو أن دول عدم الانحياز لا زالت تجتمع. فحركة عدم الانحياز تأسست كنتيجة للحرب العالمية الثانية وتصاعد الحرب الباردة بين معسكرين، المعسكر الغربي (الولايات المتحدة الأميركية وحلف الناتو) وبين المعسكر الشرقي (الاتحاد السوفياتي وحلف وارسو)، وبدأت كفكرة مع رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو والرئيس المصري جمال عبد الناصر والرئيس اليوغسلافي يوسيب بروز تيتو. انتهت الحرب الباردة وانهار الاتحاد السوفياتي وتركيا اليوم عضو فاعل في تحالف الناتو، ومع ذلك يبدو أن هذا الاجتماع صار فولكلورياً.

المفاجأة الثانية كانت حجم المفاجأة من كلام الوزير التركي، والذي وفقاً لبيان الخارجية فان بلاده ترى في مسار استانا واللجنة الدستورية سبيلاً للحل في سوريا، هذا المسار الذي يتعارض بالكامل مع مبدأ الانتقال السياسي الذي نص عليه بيان جنيف واحد، مهما حاول مؤيدوه انكار الأمر، والذي اختار بعض المعارضين سياسيين وعسكريين الانضمام اليه مدركين أو غير مدركين أنه لا يمكن أن يؤدي الى انتقال سياسي حقيقي، ومع ذلك قبلوا به، واليوم لولا اعتراض السوريين ومظاهراتهم لكانوا التزموا الصمت ازاء كلام وزير الخارجية التركي والذي يأتي في السياق الطبيعي لمسار استانا ومسار التعاون التركي – الروسي – الايراني في سوريا.

أما المفاجأة الثالثة والتي يجب أن يبنى عليها إن كان لا يزال هناك من بنائين، فهو حجم المظاهرات في المناطق السورية المحررة والرافضة ليس لمبدأ المصالحة مع النظام وحسب، ولكن أيضاً لمبدأ الوصاية على القرار الوطني السوري وخصوصاً بعدما صارت المعارضة بجميع أطيافها تدور في فلك الدول الداعمة لها وتراعي مصالحها متجاهلة بصورة تامة مصالح السوريين ومصالح الثورة، وما الحملات العنصرية والاعتداءات التي يتعرض لها السوريون في تركيا تحديداً وصمت الائتلاف بالكامل عنها الا خير دليل أين أصبحت هذه المعارضة.

شارك المقال