جنبلاط و”حزب الله” والحبة الصفرا

الراجح
الراجح

“فيلم أميركي طويل” مسرحية لزياد الرحباني عرضت في ثمانينيات القرن الماضي وكانت كل أحداثها تدور في مصح نفسي لمجموعة أشخاص من مناطق مختلفة ومن طوائف مختلفة دائماً. المهم أنه في أحد مقاطعها يطلب رشيد (زياد الرحباني) حبة الدواء التي حان وقت تناولها فيعطى حبة باللون الأبيض، فيصرخ رشيد: “مش هيدي الحبة اعطيني الصفرا”، فعلا التصفيق في قاعة المسرح ووقف الجمهور لدقائق مصفقاً على اعتبار أنهم فهموا أنه يقصد “حادثة الصفرا” أثناء حروب توحيد البندقية بقيادة الراحل بشير الجميل فيما كان يسمّى “المنطقة الشرقية”. وبعد سنوات من عرض المسرحية قال الرحباني في احدى المقابلات التلفزيونية، مستذكراً تلك اللحظة انه لم يقصد ما فهمه الجمهور على الاطلاق ولم يخطر ذلك على باله أبداً، بل كان يقصد العجائز الذين يعرفون أدويتهم من خلال لونها ولكونه عبقرياً ونابغة وفيلسوفاً بنظر جمهوره فهموا ما صفقوا لأجله…

فهل فهم المحللون الهدف من لقاء البيك مع مسؤولي “حزب الله” حقاً؟ أم أنهم انطلقوا من فهم جنبلاط للأبعاد الاستراتيجية ومن الانتينات اللاقطة والمستشعرة عن بعد المتمتع بها البيك؟

اللعبة السياسية لها وجهان يختار السياسي المحنك وجهاً منها يخفي به الوجه الآخر، الذي قد يكون الهروب علماً أن الهروب الدائم كالمواجهة المستمرة كلاهما عبء على النفس البشرية.

الهروب التاريخي والهروب الجغرافي يسقطك في لعبة الفرار الدائم وفي أحسن الحالات في حلبة الفراغ النفسي، والفراغ الفكري، والفراغ التاريخي وحتى الجغرافي.

منذ زمن ونحن نعيش في حقبة تبهدلت فيها كل الايدلوجيات، كارل ماركس انتهى ضابط شرطة عند السوفيات يقض مضاجعهم ويحرمهم من حق التعبير وحتى حق السفر، ومَن كان ضد هؤلاء الماركسيين بزعامة ماو تسي تونغ الذي اتهم شرطة موسكو في حينه بالانحراف (التحريفية السوفياتية) رفع كتاب كونفوشيوس يخفي تحته زجاجة بيبسي كولا الأميركية وكأنها الرمز السري لتحالفه العتيد فيما بعد مع الولايات المتحدة الأميركية وذلك في عهد ريتشارد نيكسون.

جغرافياً أصبحنا معلقين في الهواء لا وطن، لا أرض، وقريباً لا أهل بسبب الهجرة المخيفة، نحن منفيون اجبارياً داخل الوطن واختيارياً الى عواصم العالم.

يقول تاليران في مذكراته: “كنت لامبالياً ولئيماً من فرط حساسيتي تجاه الناس والأحداث وفهمي العميق لها”.

بعد كل ذلك، هل نضع ما جرى أخيراً من لقاء بين جنبلاط و”حزب الله” في خانة الفهم العميق للأحداث أم في خانة الوجهين للسياسة أم في خانة الهروب؟

شارك المقال