أميركا لن تسلّم لبنان إلى ايران… و”حزب الله” متوجس!

جورج حايك
جورج حايك

يتوقع كثر من المراقبين أن يُطلق الاتفاق النووي إذا تمّ توقيعه بين الولايات المتحدة الأميركية وايران قريباً، يد الأخيرة في دول عدة في الشرق الأوسط، وعلى الأقل تلك التي تسيطر عليها منذ فترة مثل اليمن وسوريا والعراق ولبنان، لكن لا تبدو هذه التوقعات متطابقة مع مقاربة ديبلوماسي أميركي لبناني الأصل مقرّب من ادارة الرئيس الأميركي جو بايدن، وهو يؤكد أن الأميركيين لديهم توصيف دقيق لواقع الحال لجهة الأزمة اللبنانية، بحيث أنّ رؤية الادارة الأميركية الاستراتيجية للبنان هي النقيض لرؤية “حزب الله”. ويرى الديبلوماسي أن الأميركيين متمسكون بنهائية لبنان وحدوده الجغرافية، وسيادته، ودستوره، وحياده، وميثاقه الوطني، وطبيعته التعددية، والطابع المدني للدولة اللبنانية التي تشكل المساحة المشتركة لجميع اللبنانيين الذين ينضوون تحت سقفها لا فوقه. وهذا لا علاقة له بالمفاوضات الجارية في فيينا، بل هي نظرة أميركية تقليدية للبنان، وما يتم بحثه في المفاوضات يتعلق بضبط الصناعة العسكرية النووية الايرانية والعقوبات، فيما قضية لبنان سيأتي دورها لاحقاً عندما تنتهي المفاوضات مع ايران وترضخ للشروط الأميركية والأوروبية، وتعود إلى الانخراط في الأسرة الدولية، عندها ستبدأ الترتيبات لأوضاع الدول المتأزمة مثل اليمن ولبنان والعراق وسوريا، علماً أن هذه الترتيبات لن تكون لمصلحة “حزب الله”، كما يسوّق البعض، وما الصوت المرتفع لأمينه العام حسن نصر الله إلا استدراج عروض ومحاولة تحقيق مكاسب قبل أن تبدأ عملية تحجيمه ووضع حد للحالة الشاذة التي يمثلها في لبنان والمنطقة نتيجة المخططات الايرانية التي تمادت في الأعوام الأخيرة.

ويلفت الديبلوماسي الأميركي إلى أنّ واشنطن تعتبر حماية لبنان هي حقّ سيادي دولتي ومهمة الجيش اللبناني حصراً، وهذا ما يبرر المساعدات للمؤسسة العسكرية في لبنان، والدعوات المتتالية لقائد الجيش جوزف عون إلى الولايات المتحدة. أما احتفاظ “حزب الله” بسلاحه بحجة ما يسمى بالمقاومة فيراه الأميركيون انقلاباً على اتفاق الطائف الذي كانت مهمّته إنهاء الحرب اللبنانية بقيام دولة ومساواة ودستور وقانون وعدالة، فاستمرت الحرب بأشكال أخرى بسبب سلاح الحزب الذي لا مرتكز له لا في الدستور اللبناني، ولا في وثيقة الوفاق الوطني، ولا في قانون الدفاع الوطني، وبالطبع غير منصوص على قبوله في القرارات الدولية المتعلقة بلبنان، وهو سلاح خارج عن الشرعية، ومقوِّض لدور الدولة، ومزعزع للاستقرار، ويجب تسليمه فوراً للدولة، ومن دون ذلك لن يقبل الأميركيون أي حلّ آخر، لأن هذا السلاح يهدد المصالح الأميركية في المنطقة، وخصوصاً أن المرحلة الأخيرة شهدت عودة للسياسة الأميركية إلى الشرق الأوسط!.

وتحدث الديبلوماسي الأميركي عن أن إدارة بايدن لن تقبل بالمحاولات المستمرة لعزل لبنان وربطه بمحور كل مرتكزه العقائدي والفكري قائم على الحرب والعنف وعدم الاستقرار، لذلك ستسعى الولايات المتحدة بعد انتهاء المفاوضات النووية إلى تطبيق القرارات الأممية والعربية وفي طليعتها القرارات 1559 و1680 و1701 لأن لبنان يشكّل جزءاً لا يتجزّأ من الجامعة العربية والأمم المتحدة.

أما بالنسبة إلى تغيير النظام اللبناني فيقول الديبلوماسي انه إذا استمر التعطيل والفراغ، فستبادر الولايات المتحدة بالتعاون مع فرنسا إلى جمع ممثلي القوى السياسية اللبنانية الأساسية ومن بينها “حزب الله” لوضع نظام جديد برعاية دولية شرط أن يكون نظام حقّ، وعدل، ومساواة، وحرّيّة، وسلام، وازدهار، واستقرار من أجل أن يستعيد لبنان دوره الطليعي بين الأمم، لا كما حوّله “حزب الله” إلى مساحة غير قابلة للعيش وإلى مثل سيء عن المجتمعات التي تعصف بها الخلافات والانقسامات والحروب، ويسودها الفساد والقتل والفقر والهجرة.

يؤكد الديبلوماسي أن الادارة الأميركية تعرف أن “الحزب” لا يعترف بنهائية لبنان، ويصادر دور الدولة، ويمنع تطبيق الدستور. كذلك عطّل مسار العدالة، وعزل لبنان عن محيطه العربي وعمقه الغربي، وربطه بمحور لا يشبهه ولا يشبه الشعب اللبناني، ويعمل على تغيير هوية لبنان وثقافته وطبيعته التعددية، ونقله من “وطن الرسالة” إلى مزرعة الملالي، وحوّل حياة اللبنانيين إلى جحيم.

وعن تسوية قد يخضع لها لبنان وتمنح “حزب الله” حق الاستفادة من البلوك رقم 9 الذي يقع ضمن المياه الاقليمية في الجنوب، مقابل قبوله بنظام لامركزي، يشير الديبلوماسي الأميركي الى أن هذا كلام صحف وتكهنات غير واقعية، لأن الادارة الأميركية لا تتعامل مع “حزب الله” بل مع الدولة اللبنانية، والوسيط الأميركي آموس هوكشتاين الذين يدير المفاوضات غير المباشرة بين لبنان واسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية يلتقي مع المسؤولين عن الدولة اللبنانية. ويعتقد الديبلوماسي أن المعارضة السياسية لـ”الحزب” في لبنان قوية، ولن يستطيع أن يصادر الثروة النفطية لمصلحته الخاصة.

ولم يستبعد الديبلوماسي فرضية فشل الاتفاق النووي مما يعزز احتمال الحرب الذي أثارته إسرائيل، ومن الواضح أن هذه الفرضية تثير مخاوف “حزب الله” لأن ظروف 2006 لم تعد موجودة، وهذه المرة ستكون الحرب حاسمة بواسطة اسرائيل بمساعدة الولايات المتحدة لتوجيه ضربة قوية الى إيران وانهاء حالة “حزب الله” الميليشيوية المسلّحة.

وخلاصة ترى الادارة الأميركية أن في كلا الحالتين أي توقيع الاتفاق النووي أو الحرب، لن يبقى “حزب الله” في وضعه الحالي، بل سيتراجع نفوذ ايران في لبنان لمصلحة المجتمع الدولي والأطراف العربية والخليجية والتفاوض معها، ومن هنا لن تكون أي تسوية في لبنان لمصلحة “الحزب” وحده بل اعادة التوازن بين القوى السياسية واستعادة لبنان دوره في المنطقة والعالم.

شارك المقال