رواتب القضاة 20 مليوناً ويُضربون… العدالة أصبحت تجارة

محمد شمس الدين

احتل القاضي مركزاً مرموقاً في تاريخ العالم، ودوره كان مهماً لدرجة أنه نال احتراماً وهيبة مشابهة للملوك والسلاطين، وتجد في كل الحضارات قصصاً عن القضاة وأحكامهم وبعض طرائف المحاكمات، إلا في لبنان، حيث تحول القضاء من رسالة إلى تجارة، ويسعى إليه الحالمون بالعيش في رفاهية، والأمر هنا ليس متعلقاً بالفساد القضائي الموجود، بل حتى لو كان القاضي غير فاسد، فهو تاجر، لأنه يهتم براتبه آخر الشهر، أكثر من اهتمامه بالعدالة، التي تعيش أسوأ حالاتها اليوم، وتحديدا مع إضراب القضاة، الذين يطالبون بحقوقهم المفترضة، فماذا يحصل في القضاء اللبناني؟

القضاة يبالغون في طلب معاشاتهم اليوم، لأنهم لا يزالون يتقاضون أعلى الرواتب ويحصلون على كل امتيازاتهم، بحسب ما تعتبر مصادر قضائية في حديث لموقع “لبنان الكبير”، موضحة أن “راتب القاضي اليوم يتراوح بين 6 و8 ملايين ليرة، فلنأخذ 7 ملايين ليرة كمعدل وسطي، وتم إعطاؤه مساعدة اجتماعية عبارة عن راتب إضافي، أي أن معاشه الشهري وصل إلى 14 مليوناً، إضافة إلى ذلك أعطي 5 ملايين ليرة ثابتة من صندوق تعاضد القضاة، أي أصبح راتبه يصل إلى 18 مليون ليرة شهرياً، وكذلك صندوق التعاضد لا يزال يؤمن له ضماناً صحياً شاملاً 100%، وأيضاً قسط مدرسة أولاده مغطى 100%، وعلى الرغم من ذلك لا يعجب هذا الأمر القضاة وهم يريدون الوصول إلى الـ 50 مليون ليرة شهرياً، ما يعني أن رسالة القضاء تحولت إلى تجارة”.

ما يقوم به القضاء مخالف للدستور والقانون والأخلاق، تؤكد المصادر، مشيرة الى أن “قانون التنظيم القضائي ينص على خضوع القضاة لكل ما يخضع له سائر موظفي القطاع العام، وفي قانون الموظفين الإضراب ممنوع، وهو مبدأ دستوري مشترك في كل بلاد العالم، لأنه ممنوع شل المراكز العامة، وحصول فراغ في المرفق العام، الذي يشل حياة المواطنين ويضرب مصالحهم، وقد تشدد النص أكثر في قانون التنظيم القضائي، فقد نص على أنه يمنع على القضاة القيام بأي تحرك، إلا من خلال مطالب يقدمونها إلى مجلس القضاء الأعلى، الذي يقدمها بدوره إلى السلطة السياسية الوصية عليه، أي وزير العدل، الذي يجب عليه أخذ المطالب، وإيصالها إلى الجهات المعنية، وتحديداً الحكومة ورئيسها ورئيس الجمهورية، ولكن ما حصل في الفترة الأخيرة هو فضيحة قضائية، فقد تهرب مجلس القضاء الأعلى من مسؤوليته، وكذلك تنصل وزير العدل من الأمر، وشكل 3 قضاة لجنة، بتدبير من كبير القضائيين عند الرئيس نجيب ميقاتي، والقضاة الثلاثة هم: ناظم الخوري، حمزة شرف الدين وحسن الشامي، الـ 6 و6 مكرر الدائمة، مسيحي، سني وشيعي، وذهب هؤلاء القضاة الى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الملاحق من القضاء اللبناني، بغض النظر عما إذا كانت ملاحقات كيدية أو لا، فهو في النص ملاحق، وبالتالي هذه فضيحة أن يجتمع معه 3 قضاة، ليخرجوا من عنده بهدية قبض رواتب القضاة على سعر 8000 ليرة، وبهذه الطريقة يكون الرئيس ميقاتي قد استدرج القضاء إلى فخ السقوط في الفساد المالي والإداري، بحيث كان يجب أن يذهب وزير العدل الوصي على القضاء، والمسؤول عن موازنته وماليته، ليناقش مطالب القضاء، وليس أن يتم توريط القضاة بما بدا كأنه رشوة”.

وتلفت المصادر الى أن “هذه الهدية توقفت بعد الاستنكارات الواسعة التي حصلت بسببها، وأولها من رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي استنكر التمييز العنصري بين طبقات الموظفين، وأعلن رفضه أن يعطي حاكم مصرف لبنان هدايا لمن يريد. واعتبرت عدة جهات فاعلة في البلد الأمر تهريبة قضائية غير مشروعة وغير قانونية، لذلك توقفت هذه الهدية الهرطقة، مما دفع 300 قاض إلى التداعي إلى مبنى العدلية، والإعلان عن التوقف عن العمل، وهم بهذا زادوا الطين بلة بحق العدالة المعطلة منذ سنوات، بحيث أنها عانت من تأثيرات الأحداث في البلد، تارة كورونا، وتارة أخرى قطع طرقات، وكذلك إضراب المحامين، واليوم اضراب القضاة. العدالة في لبنان تعاني بصورة غير مسبوقة، فالإضراب شمل حتى قضاة الأمور المستعجلة، والقضاة الجزائيين، وهذا يعني أن عشرات آلاف الناس شؤونهم معطلة”.

هناك أكثر من 5 آلاف موقوف على ذمة التحقيق، تذكر المصادر “وهؤلاء من بينهم أبرياء، وقد يكونون جميعهم أبرياء، أو أن الأحكام بحقهم لا تتخطى الشهر على جنح بسيطة، فأي قاضٍ يقبل أن يكون في السجون مظلومين؟ هذا تاجر وليس قاضياً”، واصفاً إضراب القضاء بأنه “ظاهرة جديدة، بحيث لم يضرب القضاة في لبنان إلا في 3 مناسبات، مرة كانت بسبب مطالبتهم بدرجة قيمتها 150 ألف ليرة، القضاء الرسالة حوّلوه إلى سلعة، تباع وتشترى، وللمفارقة أن إضراب القضاء حصل في عهد رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق جان فهد، والرئيس الحالي سهيل عبود، الذي وصم عهده بأسوأ عهد قضائي، لأن العدالة كانت معطلة معظم الوقت على دوره”.

وترى المصادر أن “الخطورة في هذه التحركات، أن الذهنية القضائية في لبنان، تحولت إلى ذهنية مالية وتحقيق المصالح، وهذا يعني أن على العدالة السلام”.

مرجعية سياسية كبيرة علقت لدى علمها بإضراب القضاء بالقول: “(قلة فرق) فمنذ متى القضاة يعملون؟”، اذ أن أي قضية تقدم في القضاء، تستغرق في الحد الأدنى أشهراً، هذا إذا كانت تحظى بضغط من السياسيين أو النافذين، بينما في العادة القضايا في القضاء تستغرق سنيناً، ثم يأتي القضاة ليعلنوا إضرابهم، تاركين مصائر الناس معلقة. نعم من حق القضاة أن يحصلوا على حقوقهم كاملة، ولكن يجب أن يضعوا نصب أعينهم الجانب الأخلاقي، ولا سيما أنهم يحصلون على حوالي 20 مليون ليرة، بينما غالبية المواطنين لا تتخطى معاشاتها الـ 5 ملايين، في وضع اقتصادي صعب. وللمفارقة فان القوى الأمنية والعسكرية رواتبها أقل من 5 ملايين، بل بعضها لا يزال يقبض مليوناً ونصف المليون، وهم مستمرون في المحافظة على قسمهم وواجبهم، فأين رسالة القضاء؟ وهل يكون القضاء وسيلة تجارة فقط؟

شارك المقال