جبران باسيل الرجل النشاز

الراجح
الراجح

يروي أحد كبار الصحافيين المصريين هذه السالفة عن الرئيس أنور السادات.

يقول: “في أحد أيام الصيف، استدعاني الرئيس للالتحاق به في مصيفه في الاسكندرية. وفي ذات عشية، فوجئت برئيس مصر يقود بنفسه سيارة (فيات) من نوع (124) ويتوقف أمام شاليهات المعمورة، ويطلق (زمور) السيارة لأرافقه”.

ويضيف الصحافي المصري: “صعدت الى السيارة، وواصل أنور السادات نزهته الرياضية ثم بدأ يحدثني بهذه العبارات، قال: انت عارف ليه مات عبد الناصر (الله يرحمه)؟ فوجم الصحافي الكبير لظنه أن في المسألة رأياً خطيراً. فتابع السادات: هوه مات، عشان كان يزنق نفسه عشر ساعات كل يوم في المكتب وبعدين، يروح آخر الليل (محوّش) كل صحف لبنان ويقراها، ويسم بدنه بيها. وأخذ الرئيس السادات نفساً من هواء الاسكندرية الرطب، وأضاف مخاطباً الصحافي المصري: أنا بقى مش عايز أموت كده، أنا عايز اتفسح واستمتع في الحياة”.

هذه الرواية هي مقدمة لمحاولة فهم الرجل الذي على الرغم مما قيل وما كُتب عنه حاول أن يجعل من نفسه، ولو لساعة واحدة “نجم الشاشة العالمية”، محاولاً بذلك أن يتابع مسلسل هروبه النفسي من سلفه جمال عبد الناصر، لقناعة راسخة في مخيخ رأسه “بأن عبد الناصر، كان دائماً على خطأ”.

في أواخر الثلاثينيات، وفي مطلع الأربعينيات، نشرت مجلة “الفصول” اعلاناً صغيراً مبوباً في باب “نجوم الغد” هذا نصه: “محمد أنور السادات العمر عشرون عاماً. أسمر. العيون سود. يطلب العمل في السينما. العنوان 18- شارع مراد باشا – ميدان ابراهيم باشا – القاهرة” ومع هذا الاعلان، نشرت صورة أنور السادات على نصف عمود. ويقول أهل ذلك الزمان: ان “نجم الغد” أصر على طلبه. وذات يوم ذهب ليقدم امتحاناً في كفاءته السينمائية أمام لجنة كان من بين أعضائها زكي طليمات وجورج أبيض ويوسف وهبي وفاطمة اليوسف. وكعادة كل طامح في هذا الفن قام بما يسمى “كاستنغ” ومثل أنور السادات حوالي العشر دقائق. ثم اجتمعت اللجنة الفنية، وكان قرارها (الذي لفظته السيدة فاطمة اليوسف): “دا راجل ما ينفعش في السيما لأنه فيه حاجة نشاز”. وعلى ذمة أهل ذلك الزمان حاول أنور السادات في تلك الساعة أن يقلد الممثل المعروف (في حينه) محسن سرحان.

ويبدو، أن حظ شعب مصر كان أسوأ (أو أحسن) من حظ السينما فاذا بـ”نجم الغد” يصبح رئيساً لجمهورية مصر خريف 1970 حتى خريف 1981. وعلى ذمة أهل ذلك الزمان (مرة ثانية) يقول أحدهم: “بعد فشل أنور السادات في تقليد محسن سرحان، حاول أن يمتحن كفاءته الأدبية. فأعجب بعملاق ذلك الزمان الدكتور طه حسين. قرأ له (وقد صرح بذلك أكثر من مرة) وحاول أن يقلد أسلوبه في الكتابة ففشل، فاستذوق تقليد صوته وطريقته في الكلام وفي الخطابة. وذات يوم علم العملاق الضرير بهذا، فقال لأحد جلسائه: “أرجوك، تقول لأنور بيه السادات ما يقلدنيش لأنه في حاجة في صوته نشاز”.

ويبدو أن أنور السادات الذي “نشّز” على الممثل محسن سرحان وعلى الدكتور طه حسين، قد نمت فيه طبيعة التنشيز، فنشّز على الأمة العربية كلها، وخرج في حينه منفرداً معانداً بقرار لا تفسير له، ولا تعليل، سوى متعة النشاز التي صارت لدى رئيس مصر من نوع “الطبيعة الثالثة”.

السؤال الآن، ما هو الرابط بين العائد من رحلة الاستجمام في اليونان جبران باسيل وما تقدم؟

جبران باسيل حالة من النشاز كُتبت عنها مجلدات فلا داعي لتكرار ما كُتب ونكتفي باستماتته ليكون “نجماً” ولو لساعة واحدة. ونكتفي أيضاً بالتشابه من حيث محاولات الباسيل ليكون سعيد عقل مرة وبشير الجميل مرات لكنه لا هذا ولا ذاك بل انه عمه الجنرال وفي كل المرات.

لسوء حظ المصريين حكم السادات مصر لأكثر من عشر سنوات، ولحسن حظ اللبنانيين لن يحكم جبران باسيل لبنان ولا لدقيقة واحدة… اما سوء الحظ فهو أننا سنبقى نشاهد هذا الرجل النشاز وهو يقوم بأدوار مختلفة على شاشات التلفزة.

شارك المقال