“طرابيش” السلطة… بين الدولار الجمركي والأملاك البحرية

محمد شمس الدين

يستمر ملف الدولار الجمركي في إثارة الجدل، وكل من في السلطة يريد رمي كرة النار على الآخر، فلا أحد يريد تحمل المسؤولية، خوفاً من ردة فعل قاعدته الشعبية. وبينما يتخبط المسؤولون في الدولة بهذا الملف، يسأل المواطن: هل الدولار الجمركي هو الحل الوحيد؟ أليست هناك مصادر أخرى لتمويل إنفاق الدولة؟ هذه التساؤلات تلقي الضوء مجدداً على الأملاك البحرية، بحيث يعتبر الكثيرون أن السلطة تدلل أصحاب المؤسسات التي تستثمر أملاك الدولة العامة على الواجهة البحرية، عبر فرض ضرائب مخففة جداً عليهم.

هناك 1260 شاغلاً للأملاك البحرية بين أفراد ومؤسسات وفق مصادر إحصائية، أشارت في حديث لموقع “لبنان الكبير” الى أن “هذه المؤسسات تدفع 27 مليار ليرة سنوياً كضرائب على إشغال الأملاك البحرية للدولة فقط، وهذا رقم صغير جداً، إذا قُسّم على المؤسسات هذه، أي ما يقارب 630 دولاراً سنوياً، أو 52 دولاراً شهرياً، قد تدفع مؤسسة أكثر أو أقل من أخرى، ولكن في الإجمال هذا مبلغ ضئيل جداً”.

عضو لجنة المال والموازنة النائب غسان حاصباني، أوضح لموقع “لبنان الكبير” أن “اللجنة قاربت ملف الدولار الجمركي فقط من جهة مساءلة الحكومة، كونه لم يكن مطروحاً في الموازنة، وتم الاستفسار من الحكومة عن قرارها في هذا الملف، وإن كان حصلت دراسة الأثر الاقتصادي له”.

أضاف حاصباني: “حسب ما فهمنا أن الحكومة اتجهت الى رفع الدولار الجمركي من أجل زيادة المداخيل، وكانت لدينا انتقاداتنا لهذا الأمر، فرفع الرسوم الجمركية بهذه الطريقة ليس من الضروري أن يزيد الإيرادات، بل قد يتسبب بازدياد التهريب والتهرب الجمركي، وبالتالي هذه الأموال لن تدخل إلى الخزينة. وكذلك قد يتسبب بالتخفيف من الاستيراد، وبالتالي لن تكون العائدات كما يسعون إليها، وهي قد تضرب الحركة الاقتصادية، وتخفف مداخيل أخرى للخزينة لا علاقة لها بالجمرك، كل هذه الأمور لم تقدم الحكومة أي دراسة بشأنها”.

وأشار الى أن “هناك إصلاحات عديدة يمكن أن يعمل عليها من أجل رفع الإيرادات، منها الضريبة على الأملاك البحرية، وتقليص التكاليف والنفقات في القطاع العام، عبر إعادة هيكلته، وقبل أن نرفع التعرفة الجمركية فلتحسن الجباية الجمركية الحالية. هذه الخطوات وغيرها، يجب درسها قبل التوجه الى رفع الدولار الجمركي”.

اما الأمين العام لاتحادات النقابات السياحية جان بيروتي، فرأى أن السلطة تضع الناس في مواجهة بعضهم البعض، لافتاً الى أن “المؤسسات السياحية تشكل ثلث الأملاك العامة البحرية فقط، والباقي مرافئ لا علاقة لنا بها، ومرفأ بيروت وحده مساحته تساوي كل الأملاك البحرية في لبنان. الحل ليس عندنا، فنحن كمؤسسات سياحية كل مصاريفنا بالدولار، أنا صاحب مؤسسة صغيرة، أدفع يومياً 1300 دولار مازوت، وكل إعلاناتنا في الخارج هي كهرباء 24/24، ونحن نجحنا بينما فشلت الدولة”.

واعتبر بيروتي أن “المسؤولين في الدولة يلفون ويدورون، فالحلول موجودة، ولكنهم لا يريدونها. ممنوع للبنان أن ينهض مجدداً، وأنا مسؤول عن كلامي، كلهم أولاد سفارات. هم أولاد معاقون، يعرقلون الحلول”، متسائلاً “هل يعقل أن الكابيتال كونترول يناقش منذ أكثر من سنتين، بينما كان يجب إقراره من أول لحظة؟”.

وأكد بيروتي “أننا بحاجة إلى حل جذري للاقتصاد الوطني، لا ضريبة على الأملاك البحرية، ولا رفع الدولار الجمركي، بل يجب إلغاء الجمركة من أساسها، ورفع قيمة الـ TVA إلى 20 % هكذا تتم مكافحة التهريب، وتكون الضريبة على كبار المتمولين، وطبعاً يجب رفع الدعم عن كل المواد، ودعم المواطن مباشرة، عبر بطاقات ائتمانية خاصة، تكون بدلاً عن التكاليف بعد رفع الدعم، ولا يستفيد منها الأجنبي، بدل أن يكذبوا على الناس ببطاقة تمويلية لم تبصر النور ولا يبدو أنها ستبصره في المدى القريب”.

منذ بداية الأزمة، يوضع المواطنون في مواجهة بعضهم البعض، كل جهة في لبنان تفكر بمصالحها ومصالح جماعتها الخاصة فقط، بدل أن توزع الخسائر على الجميع، فلن يعارض مالكو الأملاك البحرية أن تفرض ضريبة عليهم، ولكن شرط أن تكون جزءاً من الحل، لا أن يتحملوا وحدهم تمويل إنفاق الدولة. وبالنسبة الى الدولار الجمركي، كيف يفكر أحد في إقراره في ظل تفلت فاضح في المعابر الحدودية؟ وبدل إيجاد الحلول المناسبة، يتقاذف المسؤولون الكرة، ويتم تركيب “الطرابيش” الاقتصادية كل فترة، والتسويق لها كأنها الحل السحري الذي سينتشل البلد من أزمته، وكل مرة يقع الشعب ضحية البروباغندا السياسية الكاذبة.

شارك المقال