من ينقذ لبنان وأين المشروع؟

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

يبدو أن اللبنانيين الساكتين عما يجري لهم، والراضين بما قسمه لهم “حزب الله”، ينتظرون “مهدياً” ينقذهم من الجحيم. جملة من التناقضات، رؤى أحادية الجانب، و”دلع”، بينما أوضاعهم في الحضيض باستثناء عصابات السلطة ومافياتها التي تتنعم بالعيش الرغيد ولا تعاني من انقطاع الكهرباء ولا من غلاء الاسعار ولا من فقدان الدواء والمحروقات، وباستطاعتها أن تسافر الى أي بلد في العالم من دون الحاجة إلى إنتظار أشهر عدة حتى تحصل على جواز سفر، فهي تمتلك جنسيات أخرى ولبنان محطة “عبور”.

المؤسف أن لا أحد على ما يبدو لديه مشروع لإنقاذ لبنان، لا سيما المعارضة التي تنشغل بحروب التصريحات وتسميع الدروس و”المناقرة”، فيما مشروع قوى الموالاة يتقدم ويحقق نجاحات، على الرغم من بروباغندا “حزب الله” المحشور و”التيار الوطني الحر” المكشوف وقوى الممانعة الضعيفة. البعض ينتظر كما العادة أن تتضح صورة المفاوضات النووية، وآخرون نتائج الحرب الروسية – الأوكرانية، وهناك من يتطلع الى أفق تغيير في العراق قبل لبنان ليرى النتيجة، ومنهم من يتفاءل بالحوار السعودي – الايراني أو يتشاءم من ظروف دولية تختلط فيها الأوراق، ويبقى لبنان مهمشاً وخارج دوائر الاهتمام وحتى ممحواً من الخارطة، ففي السابق دول عديدة كانت موجودة وإختفت، ولبنان على الطريق.

ليس صحيحاً أن “حزب الله” في تراجع، إنه يمتلك السلاح ويسيطر على مؤسسات الدولة ويعمل أمينه العام مرشداً للجمهورية ويسيّر البلاد والعباد بأجندة إيرانية واضحة، ولا يبدو أنه يستطيع كثيراً لجم جموح حليفه الطامع الى الالتصاق بكرسي بعبدا الى أبد الآبدين أو توريثه إلى الصهر الغالي شبيهه “النابوليوني”، فنابليون “كان طاغية وزع المناصب والألقاب على أسرته ودخل في مغامرات عسكرية دمَّرت الجيش”، كما وصفه معارضوه، وهذا شبيه بما فعله الجنرال.

لدى “حزب الله” مشروع واضح ولدى عون أيضاً، بينما ينتظر بشار الأسد نجاح حلفائه مشكورين في تقديم لبنان هدية، فريسة سهلة للانقضاض عليها فيختفي من الوجود. اما المعارضة في لبنان فهي تعيش وسط إنقسامات طائفية وسياسية يمينية ويسارية ولا أحد من فرقائها قدم مشروعاً متكاملاً لإنقاذ البلد ولا حتى سعى اليه على الرغم من الجعجعة الكلامية وتصريحات تلامذة المدارس والتشاطر.

ومن العجب أن يتعحب من يدعون أنهم يمثلون “الثورة” أو “الانتفاضة”، لماذا لا يتحرك الشعب؟ لماذا هذا الخنوع؟ والجواب واضح: لا ثقة بأحد، وليس بمقدور الناس أن يسيروا وراء مجموعات من دون هدف أو لنقل تحقيق مطلب واحد، فلم تحصل عملية تراكم تؤدي الى كم كاف لاشتعال الغضب ضد السلطة المافيوية وإحداث تغيير مأمول.

كم هي محزنة ومؤلمة ومبكية صورة الشعب اللبناني اليوم، هذا الشعب الذي ضحى وعاش تجارب موجعة كثيرة واستطاع على الرغم من مشاريع العدوان والتقسيم والحروب أن ينهض من كبوته وأن يخترع الأمل ويتجاوز الصعوبات، لكنه لم يعش هذا الجحيم ولم يلتهب بنار الغلاء وفقدان مقومات العيش الكريم، لم تسرق أمواله على عينك يا تاجر، ولم يكن السياسون يتاجرون بالعفة بمثل هذه الوقاحة، ولم تندثر الرحمة من قلوبهم، ولم يكن الانهيار الأخلاقي بمثل ما هو عليه اليوم، بحيث يتبجح أولو السلطة ويتبخترون في كل مكان، أو يحطون في يخوتهم العملاقة على شواطئ دول للسياحة، وربما لم يلحظوا موت المئات غرقاً في البحر وهم يبحثون عن فرصة نجاة.

ماذا فعلتم بلبنان؟ وطن الأرز وشعب العز؟ أين بعتم وطنيتكم، لأي دولة أو زعيم أو أيديولوجيا؟ ما هو مشروعكم لإعادة لبنان الدولة والمؤسسات وكيف تحفظون استقلاله وتبنون إقتصاده؟ كيف تحققون العدالة لأرواح الشهداء الذين اغتيلوا أو انفجرت بهم وبأملاكهم نيترات العمالة؟ وأين هم مثقفو لبنان ونخبه وماذا يقدمون لبقاء وطنهم وإعلاء شأنه؟

لا أحد لديه جواب يقنع الناس، وكل الوصفات لا تنفع على ما يبدو في تجاوز الخلافات والتوصل الى خارطة طريق تنقذ ما تبقى. إننا بحاجة اليوم الى مشروع وطني حقيقي، يلتف حوله معظم اللبنانيين لأن من الصعوبة أن يشمل الجميع، ذلك أن البعض منهم لا يزال يفضل الانتماء الى خارج الحدود، ويسعى الى تحالفات تبقيه على قيد الحياة، وهو يخطئ في الحسابات.

قد يقول البعض لدينا برامج، ممكن لكنها برامج أسيرة الأنا ولأنها كذلك من السهل نسيانها وفقاً لمصالح الأنا، وقد لا يريد البعض المغامرة كثيراً فيمسك العصا من الوسط على أساس أنه “مفذلك” و”شاطر” و”قارئ”، لكنه لا يقدم حلاً، وهناك من هو لكثرة ما يحب لبنان يحرقه طمعاً في موقع وسلطة ويساوم عليه.

أخيراً، لا بد من العودة الى رفيق الحلم الذي على الرغم من كل الانتقادات وما قيل من كلام يبقى أنه رجل لبناني عظيم، حمل مشروعاً وطنياً كبيراً ليس في إعادة اعمار ما دمرته الحرب من بنى وحسب، بل في إعادة تكوين وطنية لبنانية صالحت المتنازعين مع أنفسهم قبل الآخرين. إننا بحاجة اليوم الى مشروع شبيه يبث الثقة في نفوس اللبنانيين ويعطيهم جرعة قوة لمواجهة وحوش المافيات والتغلب عليها علّهم يعيشون من جديد في زمن عاشوه وذاقوا ثمراته بعد البناء في العيش برفاهية مع عودة الطبقة المتوسطة الى مستوى عال، وهي في الحقيقة تشكل مناعة المجتمع وتوازنه، لا سيما ما بين 2000 و2005 عندما كانت بيروت لا تنام ووسطها يمتلئ بملايين السياح على مدار السنة، وحين كان الجميع يزهو بعاصمة بلاده التي قيل عنها يوماً انها سويسرا الشرق، فهل تعود وأي مشروع سيعيدها؟

شارك المقال