من يرسم سياسة لبنان الخارجيّة؟

رامي الريّس

لعنة الدول الضعيفة تنطبق بشكل تام على لبنان. البلد العربي الصغير الذي يضم مجتمعاً مركباً بمستوياتٍ مختلفة، وهويته رافقها الالتباس السياسي والمعنوي والقانوني، نال إستقلاله في ظل إنقسام عميق لم تطوَ صفحاته حتى بعد مرور عقود من الزمن. لا يزال الإنقسام قائماً ولو بأشكال مختلفة أو تحت عناوين ومسميات مغايرة لتلك التي كانت سائدة في حقبة التأسيس.

ولكن بموازاة كل العناوين الإشكاليّة المعقدة التي ينقسم عليها اللبنانيون، يبرز في الطليعة ملف سياسة لبنان الخارجيّة بكل أبعادها التاريخيّة والجغرافيّة، وهي شكلّت – ولا تزال – عنوان تجاذب كبير بين اللبنانيين أدّى في بعض المحطات العاصفة الى أن تنزلق خلافاتهم السياسيّة نحو النزاعات المسلحة تبعاً لموازين قوى إقليميّة ودوليّة.

منظّرو الفديراليّة، الذين بغالبيتهم الساحقة ينتمون إلى شرائح إجتماعيّة وطائفيّة معيّنة، يتغاضون تماماً عن أن النظام الفديرالي يفترض سياسة خارجيّة موحدة. تخيلوا لو تعتمد ولاية تكساس، على سبيل المثال، سياسة خارجيّة خاصة بها مغايرة لسياسة واشنطن المركزيّة، أو أن تقوم كل ولاية من الولايات الأميركيّة برسم سياسة خارجيّة خاصة بها وأن تفتح علاقاتٍ ديبلوماسيّة مع دول الجوار ودول ما وراء المحيطات!.

من هنا، إذا كان النقاش يتصل بسياسة لبنان الخارجيّة، فإن الإبقاء على الطابع الوحدوي للدولة هو شرط أساس لرسم تلك السياسة من دون السقوط في أزقة الانقسامات الطائفيّة والمذهبيّة. هذا لا يلغي إمكانية تطبيق اللامركزيّة الإداريّة كما نص عليها إتفاق الطائف بهدف تعزيز فرص التنمية المحليّة وإمكاناتها والابتعاد عن المركزيّة الشديدة التي تحول دون تطوير الأرياف وتطبيق سياسة الإنماء المتوازن.

لا يمكن لأي دولة في العالم، سواءً أكان نظامها فديراليّاً أم وحدويّاً أم سوى ذلك أن تتخلى عن واحدة من أهم وظائفها الأساسيّة التي تتعلق خصوصاً برسم السياستين الخارجيّة والدفاعيّة وتحديد الثوابت التي ترتكزان عليها بما يحقق المصلحة الوطنيّة العليا للبلاد وليس مصالح الأطراف النافذة أو الأكثر سطوةً فيها.

يعود للبنان الرسمي أن يحدّد سياسة البلاد الخارجيّة بتعقيداتها وتشابكاتها. ولكن في نظام سياسي طائفي كالنظام اللبناني حيث الانقسامات العموديّة تتسلل إلى كل مفاصل الحياة العامة؛ ثمّة سؤال يطرح نفسه بقوّة: من هو “لبنان الرسمي”؟ من يضم؟ هل رئيس الجمهوريّة؟ رئيس الحكومة؟ الحكومة مجتمعة؟ وزير الخارجيّة؟

نادراً ما تُطرح هذه الإشكاليّة في الدول الديموقراطيّة المتحضرة. مخرجات السياسات هي نتيجة طبيعية لعمل المؤسسات الفاعلة في إطار السلطة التنفيذيّة، إما رئيس الجمهوريّة أم الحكومة بحسب الدستور والقانون. ولكن في لبنان الأمر أكثر تعقيداً.

المهم أن يحافظ لبنان على دوره وموقعه ورسالته وألا يُجر إلى حيث لا يستطيع بما يؤدّي لأن يكون الساحة مجدداً. ما سدده اللبنانيون من أثمان باهظة كاف لغاية الآن!

شارك المقال