فخامة “الفراغ”… رئيس جمهوريتنا المقبل!

ياسين شبلي
ياسين شبلي

ما أشبه لبنان اليوم وهو في أواخر عهد ميشال عون “القوي”، بإهراءات مرفأ بيروت التي تتساقط تباعاً جراء غياب الإرادة لدى المسؤولين لإطفاء النيران التي إندلعت فيها جراء التخمر الذي طال بقايا القمح فيها لغاية في نفس “يعاقبة” السلطة والنظام والحياة السياسية فيه، التي “تخمرت” هي الأخرى، فكان أن إندلعت النيران السياسية مجدداً في لبنان عقب الإنتخابات النيابية الأخيرة التي كان يؤمل منها أن تكون بداية جديدة بعد مآسي السنوات الماضية، والحال التي وصلت إليها البلاد والعباد، وبدلاً من المسارعة الى إطفائها عبر تسهيل تشكيل الحكومة وتسريعه ونحن على أبواب إستحقاقات داهمة، من قضية ترسيم الحدود البحرية مع العدو الصهيوني التي دخلت مرحلة حساسة وحاسمة، إلى إستحقاق إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، دخل المسؤولون في “نوبات ردح وقدح” سياسي متبادل ناجم كالعادة عن الخلاف على الحصص، فيما الوطن ينهار قطاعاً تلو آخر ومن الفريق نفسه – وهو هنا بالتأكيد فريق يتصدره جبران باسيل – الذي لطالما أراد الإستحواذ ليس على حصة طائفته وحسب، بل يحاول مد يده إلى صلاحيات الآخرين وحصصهم بما يصوِّر له خياله السياسي “المريض” بأنه الأقوى والأقدر في لبنان، وما هو في الحقيقة سوى ذاك “الطفل المدلل” لدى ولي نعمته السياسية الرئيس ميشال عون، مدعوماً بحليفه وشريكه في تفاهم مار مخايل “حزب الله”، الذي تثير تصرفاته وغض نظره مع وعن هذا الفريق إنطباعاً وشكوكاً بأنه هو المستفيد الوحيد ربما من حال العرقلة التي يتبعها جبران باسيل في كل ملفات البلد وقضاياه، لغاية تتصل بمسار التطورات الإقليمية التي يتابعها الحزب ويشارك في رسم خطوطها ولو على حساب المصلحة اللبنانية أحياناً، أو إذا أحسنّا الظن نقول بأنه كما يرى هو هذه المصلحة.

ففي الأسبوع الماضي، وبعد جولة أولى من “القدح” السياسي بحق الرئيس المكلف نجيب ميقاتي على خلفية تمسكه بحقه في تشكيل الحكومة كونه المسؤول الأول، لاح بريق ضعيف من الأمل تمثل في دعوة الرئيس المكلف إلى بعبدا، بعد مبادرة هذا الأخير الى تهنئة رئيس الجمهورية بعيد إنتقال السيدة العذراء، التي يبدو أن البعض من بركاتها حلت على ساكن القصر الذي أعرب عن “إشتياقه” الى الرئيس المكلف، فكانت زيارة ميقاتي إلى بعبدا وإستكمال التشاور في موضوع التشكيلة الحكومية، وبدا كأن الأمور في طريقها إلى الحلحلة قبل أن تتحرك “شياطين” التعطيل التي يبدو – حتى الآن على الأقل – أنها أقوى وأفعل من كمية البركة التي حلت على الرئيس، والتي يبدو أنها لم تكن كافية لطرد “الأرواح الشريرة” التي تحوم فوق القصر وتتلطى في زواياه، فكان أن إستؤنفت الحملة مجدداً وهذه المرة من اليونان، حيث يقضي “الطفل المدلل” إجازته الصيفية، وعبر “ملائكته” الحاضرة دوماً من كتبة التقارير لتزويده بالأخبار والمقترحات، والإستشارات السياسية والقانونية عن كيفية تسيير الأمور في حال شغور موقع الرئاسة من دون تشكيل حكومة جديدة تارة، وعبر رميها “نُمَراً” للتمريك عن إمكان سحب التكليف الذي لم يقم به هو أصلاً تارة أخرى، مع تمرير بعض الأخبار عن وجود صفقة ما لرئيس الحكومة وراء الحديث في موضوع الدولار الجمركي، وإطلاق الصافرة لوزير المهجرين للهجوم السياسي والتهجم الشخصي على الرئيس المكلف على خلفية موضوع النازحين، لاعباً على وتر إستياء هذا الوزير ومَن وراءه من رغبة الرئيس ميقاتي في تغييره، وذلك كله كالعادة بهدف زيادة حصته في الحكم عشية إنتهاء ولاية “مرشد تياره” في رئاسة الجمهورية، في محاولة منه للحفاظ على مكانة وازنة له في السلطة، لمواصلة التحكم بمفاصلها في حال حصل الفراغ – وهو حاصل حتماً – وتسلمت الحكومة الجديدة مقاليد الأمور، غير آبه بما يجره هذا التعطيل وهذه الممارسات على المواطنين الذين يعانون الأمرّين جراء الأحوال المعيشية التي تزداد سوءاً بسبب الشلل الحاصل، ولا على الوطن الذي بات كالإهراءات في مرفأ بيروت آيلاً للسقوط النهائي في أية لحظة جراء الحرائق التي يشعلها هو وتياره كلما لاح بريق أمل ولو ضئيل في إمكان البدء بمساع للخروج من حال الإنهيار التي يعيشها.

هذا الكلام لا يعني تبرئة بقية الأطراف الأخرى من “دم هذا الصدّيق لبنان”، هذه الأطراف التي قسم منها يتلهى بكيفية إثبات أنه الأقوى في طائفته وبالتالي يستحق دور “البطولة” في أية تركيبة جديدة كـ “القوات اللبنانية” مثلاً، ومنها من لا يزال حائراً ومتردداً في خياراته كقوى التغيير والمستقلين، ومنها من يقارب الأوضاع الداخلية من زاوية التطورات الإقليمية كحال “حزب الله”، ومنها من يكتفي بالتفرج والصمت كحال الرئيس نبيه بري ورئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط، وهكذا تكون هذه الأطراف عاملاً مساعداً لجبران باسيل وممارساته على طريقة “يا فرعون مين فرعنك” بحيث لا يجد من يتصدى له سوى الرئيس ميقاتي، الذي له على بعض هذه القوى خاصة التي كلفته بتشكيل الحكومة حق التأييد والدعم والضغط من أجل إنجاح مهمته، وهو ما يبدو أنه غير موجود حتى الآن على الأقل، ما يدعو إلى الإعتقاد بأن هناك قطبة مخفية ما، أو ربما شيئاً ما يتحضَّر لا يعرفه إلا أصحاب العلاقة و”الراسخون” في علم الزواريب السياسية اللبنانية.

المثير في الأمر كذلك أن كل هذا يحدث في وقت تتوالى فيه تحذيرات الأمين العام لـ “حزب الله” من “مشكل” ما، في حال بدأ شهر أيلول من دون إتفاق على ترسيم الحدود البحرية مع العدو الصهيوني، الأمر الذي يستوجب أقله أن يكون للبنان حكومة موحدة وقادرة على مواكبة الأحداث – ولا نقول إتخاذ القرار، لأن القرار في مكان آخر – وهذه قطبة مخفية أخرى – فكيف نهدد ونتهيأ لخوض حرب ونحن على هذه الحال من التشتت والضياع وهو ما يعتبر “وصفة سحرية” لإنهيار ما تبقى من “إهراءات” الدولة اللبنانية ومقوماتها وهو شيء غير منطقي ولا عقلاني؟ علاوة على ما يبدو أن الرئيس المقبل للجمهورية سيكون “فخامة الفراغ” بلا منازع، إذ كيف يمكن لقوى لا تستطيع الإتفاق على تشكيل حكومة أن تتفق على الإتيان برئيس جمهورية؟ وهو ما يثبت للمرة الألف أننا كدولة ونظام ومؤسسات كيانات غير طبيعية، بعيدين كل البعد عن الواقعية والعقلانية والمنطق، وهو الأمر الذي أوصلنا إلى “عصفورية جهنم” التي يحكمها ويتحكم بها أناس يرون في أنفسهم آلهة، بينما هم في الحقيقة مجموعة “شياطين” سياسية يستحقون الرجم بكرةً وأصيلا حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا.

شارك المقال