قضية المخطوفين والمخفيين قسراً لا تسقط بالتقادم

حسين زياد منصور

عندما غنى مارسيل خليفة “أجمل الأمهات”، أثلج قلوب أمهات الشهداء ورفعهن درجات عن غيرهن. لكن أهالي المخطوفين والمخفيين قسراً لا يزالون ينتظرون، يبكون دموعاً ووروداً غير منزوين في ثياب الحداد.

عام ١٩٩٠ انتهت الحرب الأهلية اللبنانية، الحرب المشؤومة التي استمرت ١٥ عاماً وخلفت قتلى تجاوز عددهم الـ ١٥٠ ألفاً وحوالي ٣٠٠ ألف جريح، الى جانب ١٧ ألف شخص بين مفقود ومخفي، فضلاً عن التهجير والنزوح اللذين طالا مئات آلاف الأشخاص.

لكن الناس تركوا كي يواجهوا مصيرهم المجهول، تركوا لآلامهم التي لا تداوى مع مرور الوقت او حتى بالتناسي، بل على العكس تماماً، فهذه الآلام لا تسقط بالتقادم.

أقفلت جميع الملفات المتعلقة بالحرب الأهلية وتم نسيانها باستثناء ملف المخطوفين والمفقودين، الذي بقي حسرة في قلوب الأهالي.

وعلى الرغم من تشكيل لجنة لأهالي المخطوفين والمخفيين قسراً خلال تلك الفترة، الا أن مجلس النواب أقر في العام ٢٠١٨ قانون المفقودين والمخفيين قسراً، الذي يؤكد على حق الأسر بمعرفة مصير أبنائهم، والاطلاع على المحفوظات الرسمية والتحقيقات.

رحبت اللجنة بهذا القانون واعتبرته منظمة الأمم المتحدة تقدماً مهماً في سبيل معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة.

وبموجب هذا القانون تشكلت هيئة وطنية مستقلة للبحث عن مصير المفقودين، ومنذ عامين قرر مجلس الوزراء تشكيل الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسراً. وعلى الرغم من استبشار الأهالي خيرا عند إقرار القانون وتشكيل الهيئة الا أن عملها لا يزال مجمداً.

تؤكد رئيسة لجنة رئيسة لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان وداد حلواني أن القضية لا تزال مكانها لكنهم ماضون في سبيلها، والقانون أصبح عمره ٤ سنوات ومن خلاله وبعد سنتين تشكلت الهيئة الوطنية المستقلة للكشف عن مصير المخطوفين والمخفيين قسراً، لكنها لم تعطً الإمكانات المنصوص عنها في القانون كي تتمكن من القيام بعملها، اذ لها صلاحيات واسعة من البحث عن المفقودين واجراء التحقيقات والاستماع الى الشهود الى التعامل مع قضية المقابر الجماعية، لكنها لا تزال مكبلة فلا مقر لها لتجتمع فيه ولم تقر موازنة خاصة لها على الرغم من منح القانون حقها بذلك. وعلى الرغم من استقالة بعض أعضائها وعدم تعيين بدلاء لهم، الا أن الباقين يعملون باللحم الحي، ويتمتعون بالكفاءة والقناعة الكاملة لضرورة حل هذه القضية ووضع خاتمة لها.

وتقول: “يسعى الأعضاء الى تأسيس بنية تنظيمية للهيئة وبعد ٣ سنوات سيتغيرون، لذلك هذه المدة يجب استغلالها بصورة جيدة الى جانب الهيئة واللجنة بمساعدة الصليب الأحمر الدولي، ويجب على كل المجتمع اللبناني الضغط لتفعيل الطريق وتسهيله أمام الهيئة الوطنية خشبة الخلاص لأهالي المفقودين من هذه الحالة التي يعيشونها، فهم لا يعرفون ان كان أهاليهم على قيد الحياة حتى وهذا أبشع ما في القضية، وهو ضروري كي يتمكنوا من اعادة تنظيم حياتهم واستكمالها، فوجع الانتظار الى جانب المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والنفسية نتاج ذلك”.

وتضيف: “كل الجهد كان منصباً على إنجاح لقاء اليوم (امس)، وهناك مشروع مرسوم لتعيين بدلاء عن المستقيلين، ووجود حكومة تصريف أعمال ليس حجة لعدم إقرار المرسوم، اذ تمرر مراسيم بموافقة استثنائية من الرئيسين”.

“ان العمل دائم في سبيل تدعيم الهيئة الوطنية والتي تمتلك خطة، وقد تواجد اليوم (امس) عدد من النواب التغييريين، وهنا وجهنا رسالة تواجد اذ أن لمجلس النواب، المجلس التشريعي الذي أصدر القانون سلطة رقابية على الحكومة لتطبيقه، وأيضاً حملنا الدكتور ميشال موسى هذه الرسالة”، كما تشير حلواني.

اما نائب رئيس الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين زياد عاشور فيرى أن “تجاهل القضية ليس جديداً والهيئة التي نتحدث عنها هي ضمن سلسلة مراحل مرت بها هذه القضية. وهذه الآلية هي الأمتن لأنها تشكلت من خلال القانون، وترتكز عليه في عملها وفق معايير دولية في هذا المجال، وهي ليست التجربة أو الحالة الوحيدة التي حصلت في العالم، فهناك مسار علمي للعمل في هذا المجال”، لافتاً الى “أننا نأمل أن تكون هذه المرة مختلفة عن المرات السابقة، وان لم تكن مختلفة بصورة جذرية، فستكون بالتأكيد مؤسسة لمرحلة متقدمة”.

وعن غياب الدعم، يقول: “هذه النقطة لها شقان، الشق السلبي هو الدعم الخجول جداً، اما من الناحية الإيجابية، فإصرار الهيئة والدعم المجتمعي لها أبقياها مستمرة في تقديم عملها على الرغم من الظروف التي تمر بها البلاد”.

وعن الاستقالات، يشدد على أن “هناك اصراراً على العمل، ولكن على الأقل لا يوجد مكان خاص بالهيئة يمكنها من متابعة عملها والقيام باللقاءات اللازمة مع شركائها وغيرهم، والبعض لم يتمكن من الاستمرار في ظل هذه التحديات، نتفهم موقفهم ونحترمهم لأن ظروف العمل صعبة جداً”.

ويوضح أن “هناك عملاً مهماً يجهله الكثيرون، والمتعلق ببناء مؤسسة للهيئة والأنظمة والبروتوكولات والشراكات، كل ذلك يحتاج الى جهد وخبرات، اليوم شركاؤنا وخصوصاً الصليب الأحمر الدولي، لم يبخل علينا في هذا المجال، والتطوع داخل الهيئة كان مساهماً ومشجعاً كي تتمكن جهات أخرى من تقديم الدعم والمساعدة”.

اما اللجنة الدولية للصليب الأحمر فتقول عن هذه القضية: “منذ العام ٢٠١٢، تعمل اللّجنة الدوليّة للصليب الأحمر في لبنان، وفي إطار هذه العمليّة، بذلت جهود حثيثة من أجل مساعدة السلطات ذات الصلة على الوفاء بالتزاماتها القانونية وزيادة قدرتها على القيام بذلك، إضافة إلى جمع معلومات لاسيّما بيانات ما قبل الاختفاء وعيّنات بيولوجيّة مرجعيّة ممّا سيسمح للسلطات بتحديد هويّة الأشخاص المفقودين. حتّى الآن، جمعت اللّجنة الدوليّة أكثر من ٢٠٠٠ عيّنة بيولوجيّة مرجعيّة ومجموعة من بيانات ما قبل الاختفاء تعود إلى حوالي ٣٠٠٠ شخص مفقود، علماً أنّهم لا يشكّلون إلّا جزءاً من إجمالي عدد الأشخاص المفقودين”.

وتضيف: “لا تهدف اللّجنة الدوليّة إلى القيام بعمليّة تحديد هويّة الأشخاص المفقودين بل تمهّد الطريق من أجل السلطات اللّبنانيّة لكي تقوم بذلك بنفسها، وأوكل الى الهيئة الوطنيّة المنشأة حديثاً هذه المهمّة البالغة الأهميّة والتي ترمي إلى الكشف عن مصير الأشخاص المفقودين، وفقاً للقانون الرقم ١٠٥ حول المفقودين والمخفيين قسراً”.

وعن الخدمات والمساعدات التي يقدمونها، تشير اللجنة الى أنه “في العام ٢٠١٥، أطلقت اللّجنة الدوليّة مجموعة من الأنشطة لمساعدة العائلات على التأقلم مع حالة عدم اليقين بشأن مصير أقاربهم المفقودين ولتلبية احتياجاتهم النفسيّة والنفسيّة – الاجتماعيّة والقانونيّة والإداريّة الناتجة عن اختفاء أقربائهم الأحباء. وما زالت هذه الأنشطة قائمة حتى اليوم ولكن من خلال دعم جمعيات أهلية ومنظمات المجتمع المدني، كلجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان التي تتواصل بصورة دائمة مع العائلات”.

وعن التعاون مع المؤسسات الرسمية والجمعيات، توضح اللجنة الدولية أنها تقوم بجهود التعبئة اللازمة تجاه السلطات والوزارات المعنية من أجل تسليط الضوء على أهمية تفعيل الهيئة الوطنية، تقنياً ومالياً، ريثما تتمكّن من القيام بمهامها بحسب القانون 105/2018. وتدعم اللجنة الدّولية لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان من أجل تسهيل إمكان الوصول إلى الأهالي بهدف تنفيذ مشروع المرافقة، وتقدّم الدعم المالي والتقني المستمرّ لكلّ أنشطة اللجنة بينما تضمن هذه الأخيرة تغطية جميع النواحي الإداريّة.

وعن أهمية هذه القضية، تشدد على أن “ملف المفقودين والمخفيين قسراً في لبنان يعد من أهمّ الملفات التي تعمل عليها اللجنة الدّولية ضمن إطار ولايتها الإنسانية. بما أنّ الحق في المعرفة لا يزال يشكّل أولوية قصوى بالنسبة إلى العائلات التي تنتظر منذ أكثر من خمسة عقود للحصول على إجابة حول مصير أحبائها المفقودين ومكان وجودهم، فإن اللجنة الدولية للصليب الأحمر تواصل جهود التعبئة نيابة عنهم لدى السلطات الوطنية وتقف على أهبة الاستعداد لدعم الهيئة الوطنيّة خلال اضطلاعها بولايتها الإنسانية التي ترمي إلى الكشف عن مصير الأشخاص المفقودين في لبنان وتوضيح أماكن تواجدهم، استناداً إلى معايير حماية البيانات ورغبة العائلات.

وقد أحيت “الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسراً” و”لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان”، امس، “اليوم العالمي للمفقودين والمخفيين قسراً”، الذي يصادف في 30 آب من كل عام، باحتفال أقيم أمام خيمة أهالي المفقودين في حديقة جبران خليل جبران – ساحة رياض الصلح أمام مبنى “الأسكوا” في وسط بيروت.

ان قضية المخطوفين والمخفيين قسراً ليست قضية عابرة، بل يجب ملاحقتها بصورة دورية فهي ليست مجرد مادة صحافية او إعلامية تستعرض لمرة واحدة وتنسى كأنها لم تكن، بل يجب اثارتها دائماً لما لها من أهمية لدى فئة كبيرة من اللبنانيين، فهي قضية إنسانية متجذرة في أعماقنا وجريمة بشعة ارتكبها بعض حكامنا بحق آلاف العائلات المفجوعة.

شارك المقال