هل يترك ميشال عون القصر عند إنتهاء ولايته؟

رامي عيتاني

… هو سؤال يطرحه الجميع لكن الجواب عنه يبقى في رأس وعقل ميشال عون الذي خاض تجربة البقاء في هذا المكان الذي تطيب فيه الإقامة، الجواب يلمسه العارفون بتاريخ الرجل ومغامراته، فمنذ أكثر من اثنين وثلاثين عاماً كان السؤال ذاته: من يخرج ميشال عون من بعبدا؟. بين القصر وعون قصة غرام وعناد وعلى أسواره ومن أجله خاض عون حروبه المستحيلة، قاتل “الميليشيات” ذات اللون الواحد ليقدم أوراق ترشيحه للرئاسة، وعندما لم يجد الآذان الصاغية في قصر المهاجرين أدار فوهات المدافع يصلي بها جيش حافظ الأسد المنتشر في لبنان، وكان يمنّي النفس بأن يسمع المجتمع الدولي قرقعة السلاح مستعرضاً قدراته في هز المسمار، لكن الغرب شاهد بأم العين كيف كان الجنرال اليائس يحارب طواحين الهواء بلا طائل، فلا في الداخل نجح حين توقف هجومه أمام نفق نهر الكلب بعدما دمرت مجموعات “اوعا خيك” بيوت السكان، ولا حتى مع السوريين نجح بعدما عجزت مدافعه بأعدادها القليلة وذخيرته المتناقصة عن تسجيل أي هدف يوجع به النظام في سوريا…

فالسوريون الذين كانت لهم اليد الأولى في علاقات عنكبوتية مع الغرب استفادوا عبرها من تأمين الغطاء والضوء الأخضر للهجوم على القصر (الرمز الماروني) الوحيد في هذا الشرق… طائرات “السوخوي” الروسية مع الغطاء الأميركي وموافقة أوروبية. نجحت سوريا في إبعاد عون عن تحقيق أغلى أمانيه، وبقية الحكاية باتت معروفة… كيف؟ ومن خطط لعودته؟ ولاحقاً بطل العجب عندما تولى اميل لحود وأركانه جميل السيد وكريم بقرادوني وغيرهم ترتيب سيناريو العودة والأهداف المبطنة مع القبول والرضى السوري والمباركة والإشراف لـ “حزب الله” كي تحقق الأهداف كاملة للمحور.

اليوم يتكرر الطموح الجامح لهذا الكرسي. ومن لم يغادره أثناء رئاسته للحكومة العسكرية الانتقالية سيتمسك به وهو رئيس جاء بعدما فتحوا له أبواب معراب وبيت الوسط، لن يترك القصر للفراغ قالها عون منذ أشهر ويؤكدها اليوم الصقور في ميرنا الشالوحي. ميشال عون الذي أخرج بالحديد والنار في العام ١٩٩٠ لن يتوفر لخصومه هذا السلاح، فهو حليف من يملك الحديد والنار، والحسابات في المعسكر العوني سهلة وغير معقدة، فالذي “حوش” لجبران باسيل هذه الكتلة النيابية الوازنة المنتشرة بنائبين من حواضر بيت الحليف وآخر “عياري” خبير بالممرات المائية بين “البقيعة” العكارية والداخل السوري وبينهما ألف خط وخط للتهريب، وفي الشوف وعاليه ثلاثة نواب عونيين فازوا على غفلة من طلال أرسلان ووئام وهاب (اللذان خرجا من المولد بلا حمص) وفي البقاع الشمالي، زحلة والبقاع الغربي نال تكتل “لبنان القوي” أربعة نواب بأعجوبة مار ميخائيل واتفاقه الربيح.

إذاً من يقلب النتائج و”يطخن” الكتل إلى حجم لم يصدقه المقربون في أروقة الشالوحي، هو ذاته سيقدم لعون التمديد إذا شاء واستطاع الجريصاتي تأمين فذلكته القانونية أو تؤول الرئاسة إلى الوريث (سلطان سليم العهد)، اما ثالث الخيارات فهو اللجوء إلى ابن الخط سليمان فرنجية على أن يكون عون عرابه والناخب الأول في معركته. هذه الخيارات سهلة التنفيذ لدى فريق نجح في الاستيلاء على رئاسة مجلس النواب ونائبه على الرغم من الأكثرية العددية للمعارضين، لكن يؤكد الصقور أنفسهم في الشالوحي أن حليفنا لن يلبس القمصان السود مجدداً، فالرئاسة مضمونة باللباس العادي شاء من شاء وأبى من أبى.

الواقعة الأكيدة أن العهد في نهايته، وأن التوقيت المعتمد في النادي السياسي عادة هو الغروب؛ حيث يسعى خلاله المقربون إلى لملمة حوائجهم تمهيداً للمغادرة، هذا كان فعل ماضٍ للأسف لا يعترف به رئيس العهد الحالي ولا يقر به وريثه الذي يقاتل ويشاغب للخروج الآمن بعد أن يستولي مع مفاتيحه وأزلامه على المواقع الحساسة، هذا المختصر المفيد شرحه أحد الذين عاصروا ميشال عون وعرفوه عن كثب، ما يفسر الأسباب الحقيقية للأزمة الشائكة بين الرئاستين الأولى والثالثة.

ويضيف هذا المقرب جداً أن ميشال عون اعتقد أن السرايا الحكومية هي الخاصرة الرخوة بعدما حاول أن يجرب مغامراته مع الرئاسة الثانية، لكن نبيه بري والحزب الحليف رداه على عقبيه فعاد إلى مكانه الأحب خصوصاً أنه شغل هذا المنصب في ليلة الشمبانيا عندما كلفه الرئيس أمين الجميل رئاسة الحكومة للإشراف على الانتخابات الرئاسية، لكن عون فعل كل شيء داخل القصر… خاض الحروب المستحيلة، وحوّل القصر إلى قصر الشعب يديره دون كيشوت ينتشي بالجماهير الزاحفة إلى بعبدا. كل شيء غير متوقع حصل في حكومته المؤقتة سوى أنه لم يسعَ إلى الانتخابات الرئاسية لأن رياحها لم تجر كما كان يريد أو يشتهي. فالجنرال والسرايا الحكومية قصة ثأر أسبابه غير واضحة على الرغم من أن رؤساء الحكومات المتعاقبين في “عهده الميمون” حاولوا التعامل معه بالحسنى لكن الرد السلبي والاساءات كانت تأتي من خلف الستارة الموضوعة خلف مكتب رئيس العهد الذي لا ينطق سوى من خلال الهمس الذي يصدره فريق متخصص تديره البياضة، وأي كلام أو وعود يتفق عليها مع الرئيس المكلف كان المكتب المكلف يعيد صياغتها في اليوم الذي يلي.

هكذا أيضاً فعل مع الرئيس سعد الحريري بعدما حاول جبران باسيل أن يفرض شروطه من خلف هذه الستارة طالباً فقط من سيد القصر تحريك الشفاه، لكن الحريري الذي عاين واكتشف وتأكد من مدى العجز لدى محدثه، ترك المكان وأودع التكليف “رماه” بعدما ثبت له أن جماعة التعطيل أقوى بكثير من مساعي الخير التي يسعى اليها للانقاذ. هيّص العونيون واحتفلوا ظناً منهم أنهم فازوا بالضربة القاضية عندما رفعوا الشعار: سعد وجبران معاً، ليكتشف هذا الجمهور أنه انتقل من تحت الدلفة لتحت المزراب، لأن زمن التطاول على أهل السنة قد انتهى وعلى الصبية الهدوء، فالتكليف والتأليف ليسا بيد الرئيس في بعبدا وأي خلل يمارس بالقوة المدعومة من الحليف لن يمر بسهولة، والدليل ما يجري اليوم مع الرئيس نجيب ميقاتي الذي قدم لبن العصفور لميشال عون لكن جبران باسيل يريد البيضة وقشرتها، يريد حكومة الأمر لي، يقاتل في سبيل وزارة لا ضوء فيها وسدودها قاحلة. السؤال: لماذا هذا الاصرار؟ سؤال طرحه الرئيس المكلف وعرف الجواب من خلال الملفات الثقيلة والمشبوهة في وزارة الطاقة، ومهما علت ندى البستاني صوتها ومهما صرخ سيزار أبي خليل فإن أبواب الهدر ستفتح بالكامل وقسائم المازوت المدعوم بالاتفاق مع ادغار وشركائه في سنتر ميرنا الشالوحي واضحة ومكشوفة. فالعهد الجديد سيبدأ مهما طال الفراغ، والرئيس الجديد سيبدأ من العدلية حيث الارتكابات لا تزال مستمرة على الرغم من المجاعة التي انتشرت في هذا العهد الميمون.

ويتابع المصدر الذي أنهى الكلام بعبارة: بتشارط؟، غداً ستفتح السجون وستدخلها شخصيات من الوزن الثقيل، وسنسمع جميعاً المنادي يثأر لشهداء ٤ آب: محكمة.

شارك المقال