الأسود مستمر بالصعود… ولا حلول الى ما بعد بعد فيينا

ليندا مشلب
ليندا مشلب

سعر الصرف لا يمكن تثبيته… والدولار ذاهب الى سعرين: سعر “صيرفة” وسعر السوق السوداء، هذا ما تكشفه مصادر حكومية لـ “لبنان الكبير”، مؤكدة أن سعر الصرف لا يمكن تثبيته أبداً في الوقت الراهن، ويحتاج الى معجزة حتى لو أصبحت الحلول قيد التنفيذ، لأن السوق السوداء أصبحت أكبر وأقوى بكثير من كل الاجراءات التي يمكن أن تتخذ، عدا ذلك لا أحد يستخف بعقول الناس. لذلك سيستمر هذا الفارق بين السعر الرسمي والسعر الأسود وهذا سيزيد من الأزمة لأن كل شيء سيصبح على الدولار الرسمي، فترتفع الضرائب والرسوم والأسعار وهذا سيتطلب طلباً أكبر على الدولار الموازي الذي سيرتفع بدوره، ويبقى هذا السباق الى أن نصل الى الهلاك الشامل. هذا هو المسار الطبيعي لعملة ليست موجودة في السوق وعليها طلب قوي، فالاحتياط الذي نسي أو تناسى كثيرون السؤال أين أصبح؟ انخفض الى ما دون العشرة مليارات دولار وفعلياً أقل من ثمانية مليارات لأن هناك استحقاقاً قيمته ملياران ونصف المليار غير مدفوعين.

“ما خلصنا” تقول المصادر حتى لو أجرينا الترسيم غداً! أو حتى لو وقع اتفاق فيينا…

فالمسار في لبنان أصبح في غاية التعقيد ليس في المنطقة وحسب، انما في كل العالم ولبنان ورقة في صراع الكبار والتطورات الدولية لا تنذر بالخير، لذلك نحن نتخبط في قرارات داخلية نوهم أنفسنا بأننا قادرون على تنفيذها ونشغل الناس بهمومهم الحياتية، بينما كان يجب عليهم سؤال أنفسهم كل يوم لماذا نحن عاجزون عن خلاص أنفسنا بأنفسنا؟ أولاً لأننا نعلم أنه ليس مسموحاً لنا ورسمت لنا نقاط حمر. ثانياً لأن المريض استفحل به المرض الى حد لا نعلم ماذا نعالج فيه… وسرعة الانتشار تفوق قدرتنا!

نحن ننتظر تفاهمات لن تأتي في المدى المنظور، واذا كان بابها الترسيم فلماذا انسحبت “نوفاتيك” الروسية من الكونسورتيوم الذي يضمها مع “ايني” الايطالية و”توتال” الفرنسية للتنقيب عن النفط في لبنان ونحن على أبواب ترسيم وتنقيب واستخراج؟ وروسيا تعلم أن لبنان واعد بالغاز وشركتها تملك الثلث في الكونسورتيوم.
وتعود المصادر فتستدرك بالقول: “ان المسار الاقتصادي يجب فصله عن المسار السياسي والا سنبقى معلقين الى يوم الدين، فنحن مستمرون بالمسار الانحداري ولا شيء سيوقفنا سوى القيام باصلاحات جبارة واجراءات معزولة عن الحسابات الفئوية والطائفية والشعبوية، ومفصولة عن المصالح المتداخلة بين المسؤولين والـbusniss الخاص بهم وبشركاتهم ومصالح من يدور في فلكهم”.

وبتجرد تضيء المصادر على تجار الأزمات الذين “توسعت رقعتهم فأصبحوا يشكلون كتلة كبيرة ليس بالضرورة مترابطة، لكنهم يمررون مصالح بعضهم البعض بالمباشر وغير المباشر. فكم من أشخاص اغتنوا منذ بداية الأزمة مستفيدين منها ومن القرارات العشوائية التي تتخذ على صعيد الدولة والمصرف المركزي وعلى رأسهم المضاربون على العملة والمتلاعبون بالأسواق والتجار الذين يخزنون ويحتكرون و… لقد أصبحنا المحيط الأطلسي لكثرة الحيتان التي نعيش بينها وتبتلع العملة والمحروقات والأدوية والقمح وكل ما هو سوق سوداء، واَخرهم الحيتان المستوردون الذين ينتظرون رفع الدولار الجمركي لكي يزيدوا أرباحهم بملايين الدولارات بعدما بدأوا بالتخزين منذ أكثر من عام بمجرد سماعهم عن رفعه. وها هو نموذج فنزويلا أكبر الدول النفطية في العالم ماثل أمامنا، فحتى الاَن ومنذ أكثر من عشر سنوات تعيش في السيناريو نفسه، ولديها تجار أزمات وعملة جنوا مليارات الدولارات وتحولوا الى منظومة بحد ذاتها عصية على الخرق. وها نحن على الطريق نفسه بحيث نشأت منظومة بعد الانهيار في كل القطاعات تمسك بالمفاصل الأساسية، وهؤلاء مستفيدون ومقتنصون للفرص لكنهم لا يستطيعون منع التصحيح اذا ما قرر أصحاب القرار أن يبدأوا بهذا المسار، فالغالبية العظمى تستفيد من الفوضى وكل على قياسه وحجمه، واللبناني يتغنى بأنه حربوق وشاطر…”.

أين التزامات لبنان تجاه صندوق النقد؟ ماذا حل بها؟ الاجراءات التي تتخذ تذهب بالبلد الى عكس الطريق، تقول المصادر، والدولار الجمركي فوضى ما بعدها فوضى، يضاف اليه التلاعب بسعر الصرف عبر تثبيت عدة منصات، والظاهر أننا لم نتعلم الدرس من التثبيت على مر السنين. ثم ان التطبيقات التي تتلاعب بسعر الدولار أصبح ملفها بيد الأجهزة وبالأسماء فلماذا لا تتحرك لتوقيفها؟ الكل مستفيد تجيب المصادر نفسها، وعائدات الدولة أصبحت تشكل ٦٪؜ من الناتج المحلي، فكيف سنغطي النفقات ونرفع الأجور ونعطي مساعدات اجتماعية ونموّل البطاقة التمويلية اذا لم نرفع الضرائب والرسوم؟ والمصيبة الكبرى تعدد المنصات، فالبرنامج الاصلاحي لا يعطي صلاحية لمصرف لبنان بالتدخل في سعر الصرف الذي سيبقى عرضاً وطلباً نتيجة السوق الحرة، والموازنة يجب أن تقبل بسعر صرف قريب الى “صيرفة”، فنبدأ بالتوحيد للوصول الى التثبيت وهذا يحتاج الى وقت ليس بقريب… اما خلق أسعار ومنصات جديدة فهذا كله هرطقة تؤكد المصادر، ولعب على الوقت الى حين وصول الحل، والغيرة على الاحتياط سقطت لأن الدولارات ستصرف الى اَخر سنت ولن يحرك أحد ساكناً…

وتضيف المصادر: ان ما كان يمشي منذ ٦ أشهر أو ٣ أشهر لم يعد يصح الاَن، والأمر الملح حالياً وجوب الفصل بين سعر الصرف الذي يجب أن تُحدِّدُه السوق والسياسات الضريبية (أي إيرادات الخزينة) والاجتماعية (وقع الرسوم الضريبية، بما فيها الجمركية على الطبقات الوسطى والفقيرة)… فمن غير المسموح التلاعب العشوائي بسعر الصرف وإدخال أسعار صرف إضافية (مثل الدولار المدرسي والطالبي والجمركي، إضافة إلى أسعار الـ ١،٥٠٠ الرسمي، و٨،٠٠٠ للسحوبات المصرفية، و١٢،٠٠٠ للتعميم ١٥٨، ومنصة صيرفة، والسوق الحرة…)، فيما نحن ملتزمون بتوحيد سعر الصرف، وهو أحد “الإجراءات المسبقة” لإبرام الاتفاقية مع صندوق النقد.

من هنا ضرورة العمل الجاد لوضع سياسة ضريبية تُؤمِّن هدفين أساسيين: أولاً، القدر الأدنى من الإيرادات للخزينة للتمكُّن من تصحيح أُجور القطاع العام، وتمويل المساعدات الاجتماعية، وترميم ما هو ضروري من البنى التحتية المتهالكة. وثانياً، الحفاظ على القدرة الشرائية للطبقات الفقيرة والمتوسطة، ويكون ذلك بتعديل (بمعنى تخفيض) الرسوم على السلع الاستهلاكية الأساسية (غذاء، دواء، تعليم، نقل) إضافة إلى المساعدات النقدبة (البطاقة التمويلية مثلاً) والعينية، مقابل رفع الرسوم على الكماليات.

مع التأكيد مجدداً على أن تلك السياسات لا علاقة لها لا من بعيد ولا من قريب بسعر الصرف الذي يجب العمل على توحيده، تمهيداً للتوصُّل إلى استقراره على مستوى يُحدّده العرض والطلب… كل هذه الأمور متاحة لكن يبدو ويتثبت لنا يوماً بعد يوم أن القرار لم يأت بعد ببدء الانقاذ والذي سيصعب تنفيذه اذا ما أتى بالأدوات نفسها… وعليه كان التوقيت هو شهر أيلول وثمة من يدفشه باتجاه تشرين الأول واَخرون الى أواخر العام. الوضع على ما هو عليه سيطول، وعدا ذلك خبريات وتلاهي.

شارك المقال