أفخاخ محليّة وإقليميّة!

رامي الريّس

ليس النظام اللبناني الحالي في أحسن حالاته، ولعله لم يكن يوماً كذلك. أزماته السياسيّة المتلاحقة وإنزلاقاته المتكررة نحو دورات متقطعة أم متواصلة من العنف تشي بذلك، فضلاً طبعاً عن تركيبته الطائفيّة والمذهبيّة المعقدة التي تتيح مجالات رحبة ومتتالية لإعادة تجديد نفسه وقطع مسارات الإصلاح التي تصب في نهاية المطاف في تعزيز المساحات المشتركة فيما بين اللبنانيين على حساب المصالح الفئويّة الضيّقة.

هذه الإشكاليّات السياسيّة معروفة لدى اللبنانيين وهم الذين عاشوها وخبروها في عمر دولتهم الفتيّة التي شهدت فترات إستقرار هشة غالباً ما كانت تخرقها “المغامرات” المحليّة اللبنانيّة بتأثيراتها الخارجيّة حتماً. حتى “الاستقرار” في “لبنان القديم” الذي يتعزّز في ذاكرة اللبنانيين الجماعيّة من خلال صور “السان جورج” وأسواق العاصمة المكتظة أو مقهى “ويمبي” في الحمراء، لم يكن سوى “إستقرار” مصطنع.

إقتصاد لبنان القديم الذي إرتكز على الخدمات الماليّة والمصرفيّة وحركة الإصطياف وتجارة “الترانزيت” حقق للبلد سمعة دوليّة حصد من خلالها ألقاباً دعائيّة مثل “سويسرا الشرق” وما شاكل ذلك. ولكن، عمليّاً، عانى اللبنانيون في تلك الحقبات من غياب العدالة الإجتماعيّة وإنعدام أي تطبيق لسياسات الإنماء المتوازن، إذا وُجدت أصلاً. الأرياف والأطراف اللبنانيّة عاشت تهميشاً كبيراً ولم تحظَ بإهتمام يُذكر من الحكومات المتعاقبة، ولا تزال كذلك حتى يومنا هذا.

لقد دل الانهيار الإقتصادي والمالي الكبير الذي عاشه لبنان خلال الأعوام الثلاثة الماضية على الحاجة الملحة لإعادة بناء سياسات إقتصاديّة جديدة تكون أكثر عدلاً وأكثر قدرة على توفير مقومات الأمن الإجتماعي للمواطنين المسحوقين. إن تلاشي الطبقة الوسطى وإندثارها أضاف شرائح إجتماعيّة جديدة وبأعداد كبيرة إلى الفئات الفقيرة. عمليّاً، كل أولئك الذين تقتصر مداخيلهم على العملة الوطنيّة، وهم الغالبيّة الساحقة من المواطنين، ذهبوا إلى الانسحاق التام.

ولكن، مع كل ذلك، وبموازاة أي تفكير ببناء إقتصادي جديد، لا مفر من الحذر في تغيير العقد السياسي الذي يمثله إتفاق الطائف، ليس لأنه منزل أو غير قابل للتعديل؛ بل، بكل بساطة لأنه سوف يستبدل الهوية العربيّة التي حسمها بما يتعلق بإنتماء لبنان إلى هويّات أخرى لا تتلاءم مع تاريخه وموقعه ودوره ورسالته.

إن التشويه المنهجي في تطبيق إتفاق الطائف يجعل تقويمه تقويماً دقيقاً مسألة تشوبها الكثير من المحاذير والإشكاليّات النظريّة والعمليّة. حذار السقوط في أفخاخ بعض القوى المحليّة… والإقليميّة!

شارك المقال