التيار – الاطار في العراق: استراحة محارب

علي البغدادي

شوط أول دامٍ بين فصائل “الاطار التنسيقي” المقرب لايران وعناصر “سرايا السلام” التابعة للتيار الصدري بزعامة السيد مقتدى الصدر انتهى بلا غالب ولا مغلوب بعد شهر من الاحتجاجات المطالبة بحل البرلمان واجراء انتخابات مبكرة.

يرى أصحاب النظريات العسكرية أن حالة اللاحرب واللاسلم تمثل أخطر مراحل الحروب سواء الأهلية أو الخارجية كونها لا تحسم صراعاً بقدر تأجيله الى حين يحرق الأخضر واليابس في حال غياب الحلول المستدامة.

واختار المتصارعون على السلطة والنفوذ في العراق “استراحة محارب” لحين ميسرة، بعد أن أفاض زعيم التيار الصدري على أنصاره بكم هائل من العتب الشديد الذي قد يحمل وجهاً آخر خفياً يمس قدرة أتباعه على حسم الأمور وعجزهم عن السيطرة على المنطقة الخضراء وما فيها من قصور الحكم على الرغم من قتال جاوز 18 ساعة لتدخل وساطات واتصالات على خط التهدئة ولتقنع المتحاربين بوضع السلاح جانباً وان مؤقتاً.

ومع أن عوامل الاحتراب الداخلي ما زالت موجودة فان تثبيت الأمن الهش من دون حل واضح وحقيقي وراسخ هو تأجيل للصراع، خصوصاً أن توقف النزاع منح أنصار الاطار الشيعي المتحالف مع ايران فرصة لالتقاط الأنفاس والتعامل بزهو وأريحية مع تراجع الصدر الذي أغضبه ذلك ودفعه عبر وزيره صالح محمد العراقي الى اطلاق جملة مطالب تشي بكثير من الاحتقان الكامن في النفوس وما يشعر به المحتجون الذين تركوا في منتصف الطريق بلا غطاء .

مرت الساعات بعد استراحة المتحاربين في المنطقة الخضراء ببغداد ثقيلة على الصدريين الذين باتوا عرضة لتصفيات واغتيالات واعتقالات منظمة من أطراف تنضوي في الحشد الشعبي، وهو ما أدركوه مبكراً ليلجأوا في محافظة البصرة أقصى جنوب العراق الى استعراض قوة وارسال رسالة واضحة بأن خارطة الأمن الداخلي واحدة وأن اطلاق يد الفصائل الولائية يجب أن يتوقف قبل “خراب البصرة” وهو ما حصل سريعاً باغلاق مقار فصائل مسلحة منها “عصائب أهل الحق” و”كتائب الامام علي”.

ويرى متابعون أن صراع الميليشيات مع بعضها البعض سيؤدي الى اضعافها وانكشاف نقاط ضعفها وتعريتها أمام الجمهور مثلما حاول كل طرف مؤخراً نشر غسيل غريمه على الملأ، مما أظهر أن صراعهم لا يعني الجمهور خصوصاً أن بعضهم مرتبط بأجندات خارجية والبعض الآخر له قواعد شعبية، إلا أن تخليص العراق من عبث اللادولة لا يمكن أن يتم من طرف يمتلك أيضاً فصائل خارج أطر الدولة ويستبيح الشارع متى يشاء، ففتح طريق التخلص تدريجياً من سطوة الميليشيات سيكون ثمنه باهظاً وفقاً لمعادلة أن التخلص من ميليشيا ما سيتيح سطوة ميليشيا أخرى مكانها.

ومع أن خصومة الصدريين مع الاطار والفصائل الأخرى تعتبر حالة مرحلية مرتبطة بتقاسم السلطة، الا أن غياب الحلول والمبادرات القابلة للتحقق تجعل الخلاف مستحكماً وغير قابل لقبول أي طرف، كما أن غياب الخيارات والبدائل السلمية سيجعل الاحتكام الى السلاح هو الخيار المتاح على المستوى المنظور.

وبحسب متابعين فان فرضية الحرب الشيعية – الشيعية فرضية مبالغ فيها بمعناها الشامل، لكن الصدام المسلح والتصعيد المتنقل المحدود وسياسة لي الأذرع وفرض الرؤى بالاستقواء بالسلاح ستكون أكثر وضوحاً خلال المرحلة المقبلة، خصوصاً اذا لم تفضِ الحوارات والوساطات الى قبول الصدريين بشأن شكل الحكومة الجديدة أو النظر في لائحة مطالبهم بخصوص حل البرلمان واجراء انتخابات مبكرة وغيرها من مطالب لم تجد طريقها لقبول الطرف الآخر حتى الآن.

وفي حسابات توظيف العراق ساحة لصراع اقليمي، فان ايران المخنوقة اقتصادياً غير مستعدة بأي شكل من الأشكال للتعامل مع شخصية لها استقلاليتها لتتحكم بشريان حياة ومنفذ أساس لانعاشها مما يجعلها تفقد السيطرة على العراق، وهو ما قد يدفعها لتستخدم كل أوراقها ومنها أذرعها المسلحة ضد الصدر وأتباعه ويجعل الصدام قريباً اذا ما اضطر كلا الطرفين في حال تشابك الأمور الى اللجوء اليه.

شارك المقال