ثمن تغيير اتفاق الطائف هو الحرب

الشيخ حسن مرعب

بعض الناس يعيش أسير ماضيه، حتى ولو كان يقطر دماً، ويتناثر دماراً وركاماً، وهدماً وتشريداً وضياعاً.

فهو يعتقد صوابية ماضيه مع كل مرارته ومآسيه، ويريد تكراره كلما سنحت له الفرصة.

ولا شك في أن هذه حالة مرضية مستعصية، سببها الأنانية وحب السلطة، مع التكبر والعجرفة والشعور بفائض القوة، والاعتقاد بكثرة الفهم والدراية أكثر من الآخرين.

وللأسف كل ما سبق ذكره قد اجتمع لدى الرئيس ميشال عون، ويحاول توريثه لصهره جبران باسيل، والذي على ما يبدو أنه جاهز للانحراف، ولكن يحتاج الى من يوجهه فقط.

فلو عدنا بالذاكرة الى سنوات 1988 و1989 وصولاً الى سنة 1990 من القرن الماضي، وقرأنا الأحداث التي جرت فيها والتي كان نجمها العماد ميشال عون، وانتهت يومها بهروبه من قصر بعبدا الى السفارة الفرنسية، ومن ثم الى فرنسا، وخلفت تلك الحقبة السوداء مئات القتلى وآلاف الجرحى والمشردين، والدمار للممتلكات العامة والخاصة، يومها كانت عقدة العماد عون اتفاق الطائف، الذي أنهت مفاعليه الحرب الأهلية، وطبعاً من ضمنها الحالة العونية التدميرية.

وها نحن اليوم وبعد أكثر من ثلاثين سنة، لا تزال العقدة نفسها عند عون، وورثّها لصهره باسيل، الذي أعلنها صراحة في آخر ما صرح به، أنه لا بد من الذهاب الى اتفاق جديد، والذي نادى به أكثر من مرة “حزب الله” ومن معه في حلفه تحت مسمى المؤتمر التأسيسي، وان كان لكل منهم هدفه.

فهدف “حزب الله” إحكام قبضته أكثر على الدولة بفرض المثالثة بدلاً من المناصفة.

وباسيل يهمه القضم من صلاحيات رئاسة الحكومة، والانقضاض على ما تبقى من حقوق السنة، فهم الحلقة الأضعف بنظره، وبالتالي في سياسة الغابة التي تحكمها الضباع هم من عليهم دفع الثمن.

وهؤلاء ينسون أو يتناسون أن الوصول الى وثيقة الوفاق الوطني التي سميت باتفاق الطائف، كلف حرباً اهلية لنحو عقدين ونصف من الزمن مآسيها تذكر الى اليوم، بين قتيل وجريح ومعوق ومفقود ومهجر.

فكم سيكلف الوصول الى اتفاق جديد أو مؤتمر تأسيسي كما يزعمون؟

ومن يضمن لهم أن يحصلوا على ما يريدون في نهاية المطاف؟

فهل يضمن باسيل أن تبقى رئاسة الجمهورية للمسيحيين بعد أن هجَّر ثلاثة أرباعهم بسياسته الرعناء هو وعمه؟

ولا أحد يدري ان كان الربع المتبقي سيبقى أم سيهاجر هو أيضاً ان استعرت نار الحرب والفوضى…

وما نفع تكريس التوقيع الثالث دستورياً كما هو مكرّس اليوم بحكم الواقع، اذا أصبح لبنان دماراً وناراً؟

إن لنا في الماضي الحاضر دائماً في جراحنا لعبرة، فهل من متعظ ومعتبر؟

وأخيراً ليس تهديداً وإنما واقع وحقيقة إن ثمن تغيير اتفاق الطائف هو الحرب والدمار والدم.

فليلتقِ اللبنانيون على علاج حالة أسرى الماضي وإبعادهم عن الساحة، قبل أن يعودوا بهم مرة أخرى إلى الدشم والمتاريس.

(والفتنة أشد من القتل)

اللهم إني قد بلغت اللهم فاشهد.

شارك المقال