حذار الرعونة السياسيّة والدستوريّة!

رامي الريّس

لا يمكن قراءة التصريحات شبه اليوميّة لرئيس جمهوريّة “التيّار الوطني الحر” ولرئيس التيّار نفسه المتصلة بحقبة ما بعد إنتهاء الولاية الرئاسيّة (التي ينتظرها اللبنانيون بفارغ الصبر بطبيعة الحال) بمعزل عمّا خاضه هذا الفريق من تجارب إنتحاريّة سابقة أدّت إلى خراب البلاد ودمارها.

قبل دقائق من إنتهاء ولايته سنة 1988، وعقب الفشل في إختيار رئيس يخلفه في القصر الجمهوري، كلّف الرئيس أمين الجميّل قائد الجيش آنذاك العماد ميشال عون رئاسة حكومة عسكريّة إنتقاليّة قوامها أعضاء المجلس العسكري، لتأمين إستمراريّة الحكم وتوفير المناخات المؤاتية لإنتخاب رئيس جديد للجمهوريّة.

بعد دقائق من إعلان ولادة “الحكومة”، إستقال الوزراء الثلاثة المسلمون (سني وشيعي ودرزي) من الحكومة، فسقطت ميثاقيتها بالكامل. طبعاً، لم يكترث العماد عون وأكمل “المسيرة” بوزيرين مسيحيين (أحدهما واكبه لاحقاً في المنفى لسنواتٍ طويلة وأصبح اليوم من أشرس منتقديه)، وتصرّف وكأنه الحاكم بأمره.

خلال عامين أمضاهما عون في القصر قام بكل الخطوات المعاكسة لإنتخاب رئيس للجمهوريّة لأنه علم ألا توافق محلي أو دولي على وصوله إلى منصب الرئاسة الأولى. خاض حربين مدمرتين، أدتا – فيما أدتا إليه – الى أوسع موجة هجرة حتى ذاك التاريخ فضلاً عن الخسائر البشريّة والماديّة والإقتصاديّة الهائلة. إتخذ قراراً بحل مجلس النواب، ومنع النواب من جميع الطوائف المسيحيّة من العودة إلى “المنطقة الشرقيّة”، وهجرهم من بيوتهم فإتخذ بعضهم من فندق “السمرلاند” مسكناً مؤقتاً.

ولم يتأخر يومذاك عن إرسال مناصريه إلى بكركي حيث إنتهكوا حرمتها وتعرضوا لسيّدها الذي غادر مغتاظاً إلى الديمان تفادياً للمواجهة مع بعض الرعاع الذين علقوا صور زعيمهم على كرسي البطريرك وجدران الصرح بعد أن عبثوا بمحتوياته وكسروها وحطموها.

لم يكن ممكناً التخلص من “تمرّد” عون إلا عبر عمليّة عسكريّة بغطاء دولي أعادت إدخال الجيش السوري إلى الكثير من المناطق التي كانت خارج سيطرته لسنوات طويلة. أما فرار العماد – الرئيس إلى السفارة الفرنسيّة فصارت رواية معروفة ولعل أفراد أسرته يتذكرون تفاصيلها أكثر من سواهم.

المهم اليوم في إعادة تذكير اللبنانيين ببعض وقائع تلك المرحلة المؤلمة إنما يرمي إلى التحذير مما قد يجول في خاطر الرئيس أو محيطه الذي قلما إكترث بالفعل للمصلحة الوطنيّة اللبنانية قياساً إلى مصلحته الفئويّة.

واضح أن التيّار العبثي إيّاه يستعد لإقحام لبنان في فوضى دستوريّة مماثلة لمرحلة 1988 – 1990 قد ينتج عنها المزيد من الإنهيارات على مختلف المستويات. لذلك، المطلوب أكثر من أي وقت مضى قطع الطريق على أية مساعي لعرقلة إنتخابات الرئاسة وذلك لا يتحقق سوى من خلال البحث عن مخارج سياسيّة معقولة تجهض مشروع هؤلاء وتفسح المجال أمام إنطلاقة جديدة في البلاد!

شارك المقال