التاريخ اللبناني… بين “مأساة” عون و”مهزلة” باسيل!

ياسين شبلي
ياسين شبلي

يقول كارل ماركس “التاريخ يعيد نفسه مرتين الأولى كمأساة، والثانية كمهزلة”. وكأنه لا ينقص لبنان سوى تجسيد هذه المقولة حتى “يكتمل النقل بالزعرور” كما يقول المثل الشعبي. في العام 1988 نُصِّب علينا قائد الجيش يومها ميشال عون رئيساً لحكومة عسكرية، ما لبثت أن قضت على ما كان قد تبقى من “أخضر ويابس” بعد حرب أهلية طاحنة، نتيجة إنتفاخ الذات “العونية” وشهوة السلطة التي تحكمت بالجنرال، الذي راح يضرب خبط عشواء مقدماً أوراق إعتماده للخارج كرئيس منتظر، تارة بالحرب عبر “حرب التحرير”، وأخرى بالمفاوضات عبر اللجنة السداسية العربية، ولما فشل في الحالتين أعلن التمرد والعصيان على إتفاق الطائف الذي أوقف الحرب الأهلية، وعلى الدولة والرئيس المنتخب يومها، و”هرب” إلى الأمام معلناً حرب الإلغاء ضد بيئته، منصِّباً نفسه حاكماً بأمر المدفع خلافاً للشرعية، و”بطريركاً” بأمر البعض القليل من “الهمج الرعاع” الذين تجمهروا حوله بعد أن إعتدى على البطريركية وسيد بكركي خلافاً لكل الأعراف والأخلاق الإنسانية، وحين نضجت ظروف المعركة والمواجهة ضده فرَّ هارباً هذه المرة إلى السفارة الفرنسية تاركاً جيشه وأنصاره وعائلته في مهب العاصفة، التي كان لها أبلغ الأثر على البلد بعد ذلك نظراً الى الظروف الإقليمية والدولية يومها، فوضعته تحت الوصاية التي كان يمكن تجنبها لولا عناده ونزقه وشبقه للسلطة، الذي أضاع على لبنان واللبنانيين سنة كاملة كان يمكن لها أن تغير الكثير من الأحوال.

كانت تلك هي المأساة التي جرَّت بعدها مآسٍ كثيرة ولا تزال، واليوم تبدأ المهزلة عندما يطل علينا “ولي العهد” جبران باسيل متقمصاً شخصية “الجنرال” طبعة 2022، طارحاً ما يمكن إعتباره تمرداً وعصياناً دستورياً عبر إعلانه الصريح بأنه “لن يتم الاعتراف بشرعية الحكومة المستقيلة بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية”، مضيفاً: “سنعتبر الحكومة عندها مغتصبة سلطة وفاقدة للشرعية وساقطة مجلسياً ودستورياً وميثاقياً وشعبياً، ولو اجتمع معها من اجتمع ولو اجتمع العالم كله على دعمها ضدّنا”، في إستعادة لخطاب وحتى مفردات العام 1989. يأتي هذا والبلد بات بإعتراف الجميع وبتوصيف صاحب العهد نفسه أشبه بـ “جهنم”، أين منها جهنم الحرب الأهلية التي كانت عام 1988، عندما تقلَّد “ولي نعمته” السلطة في غفلة من الزمن وبسبب النكد السياسي يومها، الذي يبدو أن الوريث يسعى عبره اليوم إلى إستنساخ التجربة ولو بصورة أكثر كاريكاتورية، وذلك عبر عرقلة تشكيل حكومة جديدة بدايةً، لتكون له ذريعة ولو ضعيفة في “الإنقلاب على الطائف” الذي يلحظ تسلم الحكومة للسلطة في حال خلو منصب الرئيس، بحجة أن الحكومة الحالية هي حكومة مستقيلة مهمتها تصريف الأعمال وحسب، مستنداً بذلك إلى هرطقات دستورية يفتي له بها، ويفصِّلها على مقاسه “السلطان سليم” – كان آخرها تعيين قاضٍ “رديف” في ملف جريمة مرفأ بيروت – من دون أي تقدير لعواقب المسّ واللعب مرة أخرى بآليات تشكيل السلطة في لبنان، وما ذلك إلا لإعادة تعويم نفسه داخلياً، علَّ ذلك يزيح عن كاهله ثقل العقوبات الخارجية التي فُرضَت عليه جراء مغالاته ومبالغته في “التغول” على المال العام وبسبب دوره في إنتشار الفساد في لبنان عبر نشر بطانته السياسية في مراكز السلطة المختلفة مقايضاً بها على تفاهمات سياسية عقدها مع أطراف آخرين، منهم الحليف ومنهم الخصم، ولاعباً على حبال السيرك السياسية التي ما لبثت أن تقطعت به في أعقاب ثورة 17 تشرين 2019 حتى اليوم، فلم يعد أمامه من مخرج وهو على أبواب إنتهاء ولاية العهد “القوي”، إلا الهروب إلى الأمام محاولاً إعادة التاريخ إلى الوراء، ناسياً أو متناسياً مقولة ماركس بأن إعادة التاريخ مرة أخرى تكون على هيئة مهزلة، وهو ما يفعله اليوم وكأنه كُتب على لبنان أن يعيش مع هذا التيار المأساة في المرة الأولى والمهزلة في الثانية، التي يبدو معها باسيل بصورة كاريكاتورية مشوهة عن “شمشون الجبار” وهو يحاول هدم المعبد على طريقة “عليَّ وعلى أعدائي”، على أمل أن يكتشف بعد فوات الأوان أنه كان يلعب دور دون كيشوت بعد أن فقد إتزانه وراح يحارب طواحين الهواء، ولم يعد أمامه إلا العودة إلى الواقع ومعرفة حجمه الحقيقي، ومحاولة الخروج من عباءة وشخصية ميشال عون التي كان ختامها “جهنم” بالنسبة الى تاريخ الوطن والشعب، فلا داعي لتحويلها أيضاً إلى مهزلة. فهل يرعوي؟

شارك المقال