هل يجب تعديل الدستور لمنع الفراغ الرئاسي؟

محمد شمس الدين

إقترب الميعاد، ودخل لبنان مرحلة الجد في الاستحقاق الرئاسي، وعلى مجلس النواب البدء بالتحضير لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، ولكن لا يبدو أن الأمور ستسير بسلاسة، فلا مرشح للرئاسة يمتلك تأييد أكثرية النواب، بل حتى أن هناك جهات تريد تعطيل نصاب جلسات انتخاب الرئيس لأنها تخشى أن يمتلك المحور الآخر العدد الكافي لانتخاب رئيس من ضمنه، وهذا شبيه بما حصل بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، بحيث شغر موقع الرئاسة لأكثر من سنتين عبر تعطيل نصاب الجلسات النيابية، مما يدعو الى التساؤل، هل يجب تعديل الدستور كي لا يتكرر الفراغ؟

نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي أشار في حديث لموقع “لبنان الكبير” الى أن “موضوع نصاب الثلثين في انتخاب رئيس للجمهورية ليس خللاً دستورياً، فالمشرّع عندما وضع هذه المادة، في العامين 1926 و1943، وتكررت أكثر من مرة خلال انتخابات رئاسية عدة، هدف الى نزع الخوف من أن تتكتل فئة من الطوائف وتسيطر على انتخاب الرئيس، وهذا يؤثر على التكوين السياسي في البيئات السياسية اللبنانية، ومن الممكن أن يفجر هذا الأمر البلد، ويضرب التعايش وامكان الحفاظ على صيغة الحكم القائمة”.

أضاف الفرزلي: “الدستور افترض حسن النية عند الكبار في المجالس النيابية، لا كما هو وضعنا اليوم، عمليات كيدية وثأر وصغر في التفكير وغرور وأنانية وشراهة، وكل طرف يريد السلطة على حساب الطرف الآخر، بل ان كل السلبيات التي من الممكن أن تتواجد في انسان هي السائدة في الحكم والسلطات اليوم، وتحديداً هذه السلطة وهذا العهد الذي نعيش في حكمه للأسف”.

أما لجهة تعطل المجلس النيابي إلى حين انتخاب رئيس للجمهورية، فأوضح أستاذ القانون الدستوري في الجامعة اللبنانية حسين عبيد لموقع “لبنان الكبير” أن “الدستور اللبناني لا يتحدث عن منع التشريع أثناء فترة الشغور الرئاسي، لأن تعطيل سلطة كالرئاسية لا يعني تعطيل بقية الرئاسات، وتعطيل رئيس السلطة التنفيذية لا يعني أن السلطة التشريعية لا تجتمع ولا تشرّع، فنحن في دولة ذات نظام برلماني، يقوم على فصل السلطات وبالتالي، يحق للمجلس التشريع، خاصة تشريع الضرورة، ولكن يجب أن تبقى الأولوية لدى المجلس عقد الجلسات وتأمين النصاب لانتخاب رئيس الجمهورية”.

ولفت عبيد الى أن “الدستور يعي دائماً عدم تعطيل الدولة والنظام العام لها، فالنية الأسمى لدى الدستور هي إدارة الدولة واستمراريتها وعدم تعطيل السلطات والمؤسسات الرسمية، وبالتالي الهدف هو استمراريتها وتأمين النصاب والانتخاب، ولكن في الوقائع اللبنانية، يمكن لأي فريق أو أكثر، أن يتكتلوا مع بعض، ويمتلكوا الثلث، ويستطيعوا تعطيل انتخاب رئيس للجمهورية لسنة أو سنتين، أو أكثر كما حصل في فترة الشغور الرئاسي عام 2014، لأنه ليس هناك ما يلزم النائب الحضور إلى الجلسات، وإذا كان النائب لا يمتلك حساً وضميراً وطنياً وشعوراً بالمسؤولية لاستمرارية الدولة وعدم تركها للفراغ، فيمكن أن يطول الشغور الرئاسي لفترة طويلة”.

وعن الحاجة إلى تعديل الدستور، اعتبر عبيد أنه لا يمكن تعديل الدستور في هذه العجالة اليوم، مشدداً على وجوب “أن يأتي في ظل سياق عام لتعديل دستوري شامل يطال أكثر من نقطة بحاجة الى التعديل في الدستور اللبناني”.

تأسس لبنان منذ أكثر من مئة عام، أما دستوره فقد وضع عام 1926 في ظل الانتداب الفرنسي، ثم عدّل عام 1943 بعد الاستقلال، وفي الحالتين لم يخطر في عقل المشرّعين وقتها أن يأتي يوم وتصل إلى السلطة عصابة من سيئي النوايا، تعطل السلطات والاستحقاقات، بل افترضوا حسن نية رجال الدولة، وهذه من خطايا أسلاف هذا الوطن، والمصيبة الأكبر أنه لا يمكن تعديل الدستور اليوم لفرض مهل على كل من هم في السلطة، وإلزامهم بضميرهم الوطني وعدم تعطيل الدولة، وذلك بسبب الحسابات الطائفية التي لا تزال تنخر الوطن.

شارك المقال