مبادرة نواب التغيير سذاجة سياسية أم فخ مدروس؟

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

قام نواب التغيير بمبادرة تحت شعار استعادة الجمهورية أو الرئاسة بهدف تبيان أنهم قادرون على الامساك بزمام الأمور وأن لهم اليد الطولى في تحديد مسار الانتخابات الرئاسية، وأرادوا من خلال جولاتهم على كل الشخصيات والكتل النيابية إثبات أنفسهم، علماً أنه لم يكن معروفاً كيف أقرت هذه المبادرة بينهم، وأين بحثت وكيف اتفق عليها، أو ما إذا جرى نقاشها حتى أقر برنامج الجولات على كل الكتل النيابية، ومن أين أصابهم وَهْمُ تجاوبها مع طرحهم، باعتبارهم حسب ادعاءاتهم أنهم جزء أساس من الدولة وهم مخولون قيادة عملية تشاورية واسعة مع كل الكتل من دون الخوف من كيفية تعاملها مع المبادرة، الا أن هذا التحرك سلبي بدليل موقف الشارع الذي يمثلونه، اذ كان واقعياً في تأكيد أن نواب التغيير ليس باستطاعتهم وحدهم صناعة رئيس من قلب الحراك اللبناني، وأنهم لا يشكلون رأس حربة، وأن كتل فريق 8 آذار ليست بانتظارهم وانتظار ما سيقومون به ولن يدعموا مبادرتهم.

وتشير مصادر سياسية متابعة من داخل التغييريين الى اللقاء “الفاشل الذي حدث بين تكتل التغيير ورئيس كتلة لبنان القوي جبران باسيل، اذ كان مفاجئاً ومعيباً وقد خرجت منه النائبة سنتيا زرازير وقالت انه لا يمكن أن يتم مع شخصية كاذبة منافقة ليس بالامكان الرهان عليها أو النقاش معها، لأن باسيل بصراحة أثناء حديثه مع نواب التغيير كان يستخف بزرازير، التي عملت في بداياتها صحافية وناشطة ضمن اطار التيار الوطني الحر، ولكن فيما بعد كانت من بين الشجعان الذين خرجوا من هذا التيار لأنهم رأوا أنه بوجودهم سيتم تحجيم العقل والفكر، وبالتالي كانت خطوة خروجها من الاجتماع. وبالطبع باسيل لن يغفر لها ذلك، كونه يحمل عقلية حاقدة وحسودة ويعتبر نفسه الأوعى في الوسط المسيحي والأب الفعلي للمسيحيين الذين يدافع عن حقوقهم المسلوبة نتيجة اتفاق الطائف حسب ما يقول، وهو يجهد من أجل السيطرة على المسيحيين وتقديم الولاء والطاعة لحزب الله، مع أنه يضحي بكل المسيحيين من أجل مصالحه. وبالطبع موقف النائبة سنتيا التي صعدت من الشارع الشعبي سيقابله باسيل بحقد وهو يستخف بالجميع وتبين أن التفاوض معه أمر لا يجب أن يحصل كونه فاسداً ومصدراً للتعطيل”.

وترى هذه المصادر أن جولات النواب التغييريين بحد ذاتها مبادرة ولكن السؤال ما هو مدى نجاحها؟ مشددة على أنها “لا تقاس بعملية التوافق بين الكتل وخوض معركة على أساس أن هذه الكتلة هي الوحيدة التي تسير في الطريق الصحيح وأن توجهاتها نحو استعادة الدولة وتحريرها هو توجه صحيح، ولكن استعادة رئاسة الجمهورية وتحريرها من براثن الكتل النيابية الأخرى التي تتبع أحزاباً ومؤسسات وتحاول خرق الدستور وفي طليعتها كتلة باسيل وكتلة حزب الله وكتلة حركة أمل، هذا الموقف سيتعارض مع توجهات كتلة التغيير وليس صحيحاً ما قالته النائبة حليمة القعقور نحن كتلة نيابية مختلفة، وننتمي الى مشارب مختلفة ولن نكون في اطار 14 أو 8 آذار، صحيح لأن من انتخب التغييريين هم من تخلوا عن أحزابهم وطوائفهم ومذاهبهم ولم ينتظروا القعقور أو غيرها من النواب التغييريين ليقطعوا مع الفريقين. وفي الأساس لم يعد هناك 8 و14 وانما تحالفات مذهبية ومصالح وتحالف كتل مع حزب الله ومع التيار العوني. ومن هنا لا بد من سؤال التغييريين: هل هم مستعدون لانتخاب رئيس لبناني من صناعة لبنانية؟ بالطبع لا، لأن هذه الكتل مدينة بوجودها للذين دعموها بالمال وبالتوجهات الايديولوجية، وهي موجودة أساساً ضمن الاتفاق الايراني الذي يعمل على دعم تحالف الأقليات وضرب اتفاق الطائف، وما يقوم به التيار الوطني الحر هو دفع فواتير لحزب الله لأنهما متفقان علناً وسراً على إعادة تشكيل الاتفاق مجدداً”.

وتنبه المصادر نواب التغيير على أن “العمل السياسي ليس لعبة بين عقل يريد التغيير وخصوم مجرمة ومستبدة سيطرت على البلد وأفلسته واستباحت حرمته لمصالحها الشخصية. مبادرة التغييريين لا يمكن وضعها في خانة التصرف الذكي لأن له حسابات دقيقة وجدية في خلق ميزان قوى جديد مؤثر في الاستحقاق الرئاسي، فهل تم احتساب خطوتهم؟ ما الأثر الذي ستتركه هذه المبادرة؟ وهل التحرك سيحقق انتخاب رئيس واعادة التوازن وخلط الأوراق؟”، معتبرة أنه “كان من الأفضل لنواب التغيير العمل مع النواب المستقلين والسياديين لاقناعهم بمبادرتهم وليس الذهاب كمجموعة صغيرة، بل تأليف كتلة كبيرة قد تصل الى الثلث وهنا تكون اللعبة لعبت بذكاء وقد تؤتي ثماراً من خلال الحوار”.

وتوضح أن “اقناع النواب المستقلين بضرورة المبادرة يعني الحماية من الاختراقات وأي دعوة للتصويت في المجلس من أجل منع الحصول على الثلثين، وعندها يصبح هذا الثلث بيضة القبان يأتي اليه الجميع ليتم التفاوض معه والتحاور على استراتيجية موحدة وفق مبدأ نواب الكتلة التغييرية، وفي حال اقتناع المستقلين بذلك تتسع دائرة الكتل الى طرح سياسي عنوانه استعادة رئاسة الجمهورية وانهاء العهد القوي واختيار رئيس لبناني منتج محلياً ومدعوم من الدول الصديقة”.

وهنا تستدرك المصادر بالقول: “لكن نواب التغيير تعاملوا بطريقة بدائية وستؤدي الى الفشل والقول بأنهم على مسافة واحدة من جميع الكتل النيابية هي رسالة بأنهم تجاوزوا مطالب الشارع، الذي لا يمكن أن يرضى بالتعامل مع الفساد وحاميه حزب السلاح كما التعاطي مع الكتل المعارضة والمختلفة، اما القول انه خطأ تكتيكي فليس من باب التبرير غير المنطقي وستدفع الكتلة ثمنه غالياً”.

وتتساءل “من هو صاحب فكرة لقاء كل الكتل؟ أي طريق وعر وصعب ومكلف يدفعه نواب التغيير نتيجة هذا الخيار الخطير لأنه يضرب ثقة الناس بهم؟”، مؤكدة أنه لا يمكن القول ان المبادرة جاءت ارتجالية “فهناك من دون شك من صاغها من شخصيات مؤثرة على نواب داخل التغييريين، الذين يعرّفون عن أنفسهم بأنهم ليسوا حزباً واحداً وهم في كتلة متعددة الآراء، ولكن هناك منهم من يخضع لجهات سياسية مقربة من نواب حزب الله ومن نواب التيار العوني وهم أرادوا فعلياً إسقاط نواب التغيير”.

وتلفت المصادر الى أن “على نواب التغيير عدم نسيان أنهم مدينون بوصولهم الى المجلس النيابي لثورة 17 تشرين والشارع الذي يمثلهم وهذا لا يعني أن لديهم وكالة بالتصرف في البيع والشراء، ولذلك يجب عليهم العودة الى الناس الذين وقفوا وتحدوا السلطة السياسية، وهم لا يريدون فتح الحوار معها ولا التفاوض مع هذه الكتلة أو تلك منها، اذ لا يمكن أن يتساوى القاتل مع القتيل كما عبّروا عن ذلك”.

وباعتقاد هذه المصادر أنه “لن يكتب النجاح لهذه المبادرة التي احترقت منذ البداية، وكان الأجدى توزيع مبادرتهم على النواب في مكاتبهم في المجلس النيابي بدل الزيارات، والالتزام برأي الشارع الرافض للحوار مع من تسبب بقهره وتفجيره وانهياره”.

شارك المقال