هذا هو موعد اللقاء بين “القوات” و”الحزب”!

ماريو ملكون

بعد فشل كل المحاولات لضرب مسعى توحيد قوى المعارضة عشيّة الاستحقاق الرئاسي من جهة وتقويض التمدد الوطني لحزب “القوات اللبنانية” من جهة ثانية، يبدو أنّ وسيلة تشويه المسيرة السيادية قد بلغت أوجها في أفكار مطبخ فبركات الممانعة، وآخرها الكلام عن لقاء بين “حزب الله” و”القوات”.

العديد من أهل الصحافة وقعوا في “الخبر – الفخ”، فساهموا في تعميمه بعيداً عن الاستناد إلى وقائع ملموسة أو تقصّي الحقيقة من أصحابها، تماماً كما فعل الصحافي عاصم عبد الرحمن ضمن مقاله “هل تسلك طريق معراب – الضاحية؟” في موقع “لبنان الكبير” الالكتروني، بحيث اعترته جملة من المغالطات لا بُدّ من الاضاءة عليها:

أولاً، إستند السيد عبد الرحمن الى التواصل البديهي الذي يحصل بين النواب والوزراء بحكم طبيعة العمل المؤسساتي ليُلمّح إلى مساعٍ للتّقارب والالتقاء السياسي بين الحزبين، وهو بذلك يبتعد تماماً عن التحليل المنطقي، حتى عندما ذكر موقفاً سابقاً للنائب ستريدا جعجع بحيث لم يُكلّف نفسه وضعه في إطاره الصحيح إثر المشادّة الكلامية التي شهدها البرلمان مع النائب السابق نواف الموسوي.

ثانياً، إعتبر السيد عبد الرحمن أنّ ترشيح “القوات” للرئيس ميشال عون عام ٢٠١٦، عملية تناغم مصالح مع “الحزب” وهو بذلك، أيّ الكاتب، يضرب عرض الحائط بحقيقة ما دفع “القوات” الى هذا الخيار وذلك تجنّباً للفراغ الذي أرادته الضاحية وما كان سيليه من فرض مؤتمر ناسِف للنظام في ظلّ اختلال التوازن ما بين الدولة والدويلة، عدا عن أنّ هذا الترشيح ما كان ليقوم لو لم تأخذ معراب توقيعاً على اتفاق سياديّ يستهدف الوجود اللاشرعي للحزب، ما يُسقط أيّ كلام عن تناغميّة المصالح، وما الدليل على ذلك سوى المواجهات المؤسساتية التي خاضتها “القوات” ضد فريق العهد الذي عاد واختار الجنوح تحت جناح اللاشرعية.

ثالثاً، أسقط الكاتب عبر الرحمن، كلّ الحقائق الموثّقة بالصوت والصورة والأرقام، عندما اعتبر أنّ قانون الانتخابات الحالي الذي أُقرّ عام ٢٠١٧ جاء ضمن سلسلة المصالح المتناغمة بين الضاحية ومعراب، في حين أنّ هدف محور الممانعة كان الابقاء على قانون الستين، ليُحافظ على تأثيره في القضم من تمثيل المسيحيين والدروز والسنة في العديد من الدوائر الانتخابية، عدا عن لجمه المعارضين لسياساته داخل بيئته من تحقيق أيّ خرق، وهو ما تمّت فرملته مع القانون النسبي الذي عملت عليه “القوات” تحت مظلّة بكركي، وفق ما بيّنه بوضوح استحقاق أيار المنصرم.

رابعاً، إعتمد الكاتب على تصريح للقيادي الايراني الراحل قاسم سليماني أكّد فيه حصول “الممانعة” على الأكثرية البرلمانية عام ٢٠١٨، ليتّهم “القوات” بأنّها خدمت مصلحة “الحزب” بهدف نيل كتلة من ١٥ نائباً، وهو بهذا الكلام يُمارس اعتداءً ثلاثياً على الوقائع:

أ- يعتدي أولاً على مسيرة مقاوِمة نضاليّة متجرّدة خاضتها “القوات” بكلّ رجالاتها، بحيث بذلت ذاتها لأجل المجتمع والوطن غير آبهةٍ بفضّة المناصب التي غرق فيها معظم الآخرين زمن “الوصاية” وما بعدها.

ب- يعتدي ثانياً على حقّ المناصفة بالتمثيل والمشاركة في الحكم الذي أرساه الدستور اللبناني وأعاد قانون الانتخابات الحالي جزءاً يسيراً منه بعد أن كان المسيحيون لا يتمثّلون بأكثر من ثلاثين نائباً بقوّتهم الناخبة.

ت- يعتدي ثالثاً على حقيقة أنّ سيطرة “حزب الله” على الأكثرية البرلمانية لم تأتِ بسبب القانون الانتخابي، بل بسبب التحالفات الانتخابية التي أبرمتها قوى عديدة من الصف السيادي مع “التيار الوطني الحر” وحلفاء “الحزب”، إضافة إلى عدم اصطفافها في جبهات موحّدة، بحيث ساهمت بتحالفها مع “الوطني الحر” في إيصال أربعة نوّاب له في دوائر البقاع الأولى، بيروت الأولى والشمال الثالثة، وساهمت في إيصال نائبين للممانعة في دائرة جبل لبنان الأولى، عدا عن أنّ تشتّتها في دائرة البقاع الثانية، الجنوب الأولى، الشمال الثانية أفقدها حتمية الفوز بثلاثة مقاعد؛ كلّ هذا يُضاف إلى أنّ تغطية “السياديين” للمشروعية التمثيلية لبعض حلفاء “الحزب” توازياً مع تمييع أهداف المعركة الانتخابية من خلال طرح شعارات ثانوية قدّم خدمة باهظة الثمن لعملاء المحور السوري – الايراني؛ ويبقى أنّ انتخابات العام ٢٠٢٢، التي شهدت على استقامة التحالفات السيادية وخسارة “محور سليماني” للأكثرية، أكبر دليل على أنّ “العلّة” لم تكن في شكل القانون ومضمونه بل في توجّهات، تحالفات البعض ومساوماته.

خامساً، إنّ وضع الصحافي عبد الرحمن لـ”القوات” و”الحزب” في خانة واحدة لناحية النوايا والأهداف تجاه ما أسماه “الحريرية السياسية” هو ذروة الاعتداء الصّارخ على ذاكرة اللبنانيين وتشويه لمسيرة ثورة الأرز وإرثها النّضالي؛ لأنّه وإنعاشاً لذاكرة الكاتب المَصون، “القوات” كانت على جبهة واحدة مع تيار “المستقبل” في مواجهة سلسلة الاغتيالات التي تعرّض لها رجالات انتفاضة الاستقلال، وعلى جبهة واحدة معه في اجتياح ٧ أيار وفك الحصار عن السراي الحكومي، وعلى جبهة واحدة في مواجهة الانقلاب على حكومة الرئيس سعد الحريري من الرابية وفي الدفع نحو إرساء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وفي رفض خطاب شيطنته واتهامه بالداعشية، وهي لم تسعَ يوماً الى وراثة أحد لأنّها لم تُبدّل من خطابها ولا من موقعها ولا من توجّهاتها، وبالتّالي ما راكمته من تأييد وطنيّ ليس سوى نتيجة إلتزامها بالمشروع اللبناني ورفضها المساومة عليه لا مع الحزب ولا مع مَن ارتضى الدوران تحت إمرته.

سادساً، القول انّ المواجهات بين “القوات” و”الحزب” بقيت في إطار الشجب والاستنكار والمطالبة، يدفعنا الى سؤال كاتب المقال عن مقصده من ذلك، فهل يدعو إلى الانتقال إلى مواجهة ميدانية خارج الأطر الدستورية والشرعية والمؤسساتية؟ كما يُسأل عن مدى اطّلاعه على المواجهات الدستورية التي أرستها “القوات” ضد محور “الحزب” من مجلس النواب إلى الحكومة وصولاً الى المؤسسات القضائية والمجتمع الدولي؟

سابعاً، قول عبد الرحمن، انّ “أحداث الطيونة قد خُطّت بدماء الحزب والقوات معاً وانّها شهدت معركة حقيقية بين الطرفين حيث اختلط حابل السياسة بنابل السلاح غير الشرعي”، هو تشويه لحقيقة محاولة غزو منطقة عين الرمانة، حيث أنّ المعركة لم تكن سوى قرار أسود اتّخذه “الحزب” لمحاولة فرض معادلة جديدة تُشبه بمفاعيلها تلك التي تلت ٧ أيار المشؤوم ولكن هذه المرّة في قلب المناطق المسيحية، كسراً للارادة الحرّة التي يُمثّلها أبناء تلك المنطقة الرافضين الخضوع لمشروع غير لبناني، وبالتالي فإنّ مَن خلط مطلبه “السياسي” بإقالة القاضي طارق البيطار بعملية استخدام سلاحه غير الشرعي هو “الحزب” الذي تعارك مع المؤسسة العسكرية في بداية محاولة الغزو، ومع نفسه ثانياً عند تراجعه عن خطوط استخدامه السلاح المتوسط على مدى ساعات متواصلة، وهذا ما أثبته إعلام الممانعة قبل أيّ جهة أخرى.

ثامناً، الغمز من قناة تغيّر لغة الخطابات وطيّ الملفات وهدوء جبهات الجيوش الالكترونية للقول انّ “القوات” فرملت خطابها التصاعدي تجاه “الحزب” على أبواب الاستحقاق الرئاسي، هو إشارة واضحة إلى عدم اطّلاع الكاتب بتاتاً على مواقف معراب والدكتور سمير جعجع، بحيث أنّ الأخير يُكرّر في كلّ إطلاله له وبصورة واضحة وصريحة أنّه لن يقبل بوصول أيّ مرشّح رئاسي مدعوم من “حزب الله”، لا بل أكثر، يؤيّد ويسعى الى ايصال مرشّح يتحدّى بأسلوب مباشر وعلني وجاد ومن دون تمييع سياسات “حزب الله” في ملفات الفساد وهتك السيادة وتسييد اللاشرعية.

تاسعاً، “التربع على عرش السلطة” ربّما يكون غاية معظم القوى السياسية ولكنّه لم ولن يكون هدف “القوات اللبنانية”، لأنّ مَن اختار المعتقل على أعلى مراتب الحكم، ومَن أصرّ على البقاء عوض الهروب والمقاومة عوض المساومة ومواجهة الحليف رفضاً للبصم على الصفقات، من المُعيب جداً وضعه في هذا الاطار.

عاشراً، لو أرادت “القوات” تغيير عناوين المواجهة وطيّ الملفات الخلافية وتبديل مفاهيم السيادة وفتح الهواتف المقفلة لأجل التربّع على عرش السلطة، كما أوحى الكاتب المحترم، لكانت فعلتها منذ زمن بعيد، ولجأت إليها في حرب التحرير أو الالغاء أو في عمليات الملاحقة والتهديد أو عند واقعة الاعتقال أو خلف قضبان الاغراءات أو لدى مهاتفتها بعد الخروج إلى حرية الجسد أو عند تشكيل الحكومات وتركيب الصفقات أو في عزّ مرحلة العزل والتقويض، ولكانت اليوم مثل غيرها من المساومين على مسار النسيان والانتهاء، لكنّها حيث هي لأنّها لا تحيد عن قضيتها في تقديس الأرض والانسان.

أخيراً، يتحدّد موعد اللقاء بين “معراب” و”الضاحية”، يوم يعود “حزب الله” عن قناعة تامّة إلى لبنان، إلى المشروع اللبناني الصرف، إلى مشروع الدولة، إلى لبنان الانسان والحرّيات والأرض المقدّسة، لبنان الامام موسى الصدر والعلامة محمد حسين فضل الله والمرجع محمد مهدي شمس الدين، ويخرج من ارتباطاته الاقليمية والشمولية التي لا تُشبه لا لبنان ولا “القوات اللبنانية”، عندها فقط تسلك الطريق إلى معراب فيأتيها لبنانياً من الباب العريض لا ايرانياً من خلف قنّاصة أو طائرة تجسّس، ولحينه فليتفضّل كلّ لبناني ضنين على لبنان الكيان بالاصطفاف مع “القوات” آخر قِلاع الوجود الحرّ والسّلام.

شارك المقال