“جمول”… “شمس الـ شعلت عا أيديهم مش رح تختفي”

حسين زياد منصور

16 أيلول 1982 تاريخ حفر في ذاكرة اللبنانيين الشرفاء. في هذا اليوم نستلهم دروساً وعبراً في العزم والاصرار وارادة الانتصار والشرف والوطنية. في هذا اليوم لبى المقاومون الأبطال النداء: “يا أبناء بيروت البطلة، يا أبناء شعبنا اللبناني العظيم في الجنوب والجبل والبقاع والشمال، أيها المقاتلون الوطنيون الشجعان… فلتنتظم صفوف الوطنيين اللبنانيين كافة وبغضّ النظر عن انتماءاتهم السابقة وعن الاختلافات الأيدولوجيّة والطائفية والطبقية، في جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ضد الاحتلال الإسرائيلي، كسراً للقيد الذي تحاول أن تفرضه اليوم أميركا وإسرائيل على عنق شعبنا الحر ورفعاً لراية التحرر الحقيقي لشعبنا العظيم”، وذيل النداء بتوقيع جورج حاوي ومحسن إبراهيم.

منذ 40 عاماً انطلقت “جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية”، التي شكلت نموذجاً يحتذى به في المقاومة والتحرر على الصعيدين الاقليمي والعربي وكذلك العالمي في سبيل تحرير وبناء وطن ديموقراطي.

في هذا اليوم، اجتمعت قيادات من أحزاب وطنية يسارية، جورج حاوي (الحزب الشيوعي) ومحسن ابراهم (منظمة العمل الشيوعي) وحسين حمدان (حزب العمل الاشتراكي العربي) وغيرهم، وأعلنت إطلاق “جمول”.

اجتاح العدو الاسرائيلي لبنان في حزيران 1982، للقضاء على “منظمة التحرير الفلسطينية” وكل من يقف الى جانبها، فسقطت بيروت ثاني عاصمة عربية بعد القدس بيده، وكانت المبادرات الفردية تواجهه في أحياء بيروت، شبان مقاومون وطنيون لم ينتظروا أحداً لمقارعة الاسرائيلي، حتى انطلقت “جمول”، فقاومت ودافعت عن بيروت ولاحقت جنود الاحتلال في حرب عصابات من شارع الى شارع ومن حي الى آخر، وتوالت العمليات ضدهم في بيروت بمعدل واحدة كل خمس ساعات.

في ليل 20 أيلول تمت تلبية نداء 16 أيلول، من عملية صيدلية بسترس الى زقاق البلاط في 22 من الشهر نفسه و23 منه في كورنيش المزرعة، واليوم الأسود للاحتلال في 25 أيلول، بحصول 4 عمليات في اليوم نفسه.

بدأ خروج الجيش الاسرائيلي من بيروت مهزوماً مكسوراً بعد أسبوعين من بدء عمليات “جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية”، جنوده محمّلون في شاحناتهم وآلياتهم وهم ينادون في مكبرات الصوت: “يا أهالي بيروت، لا تطلقوا النار على جيش الدفاع الإسرائيلي، نحن منسحبون”. مشهد الانسحاب هذا لن تنساه بيروت وأهلها مهما مر الزمن، فكانت نقطة تحول في مسار الصراع العربي – الإسرائيلي وأسقطت “جمول” ظاهرة الجيش الذي لا يقهر.

تابعت “جمول” عملياتها ضد القوات الاسرائيلية بعد خروجها من بيروت واتسعت لتشمل كل لبنان، وانضمت اليها قوى سياسية وشعبية عديدة وتضافرت جهودها واشتدت قوتها وقاتلت في ضواحي بيروت وخلدة وصيدا والجبل والبقاع الغربي حتى انسحب الاسرائيلي من معظم الأراضي التي احتلها وتمركز في الشريط الحدودي، وحررت أكثر من 80٪ من أراضي لبنان. كان الشعب والمقاومة يكملان بعضهما البعض، مقاومة عابرة للطوائف والمذاهب والمناطق أرست فكرتي المقاومة والتضحية في سبيل الوطن من دون قيد او شرط.

شكلت “جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية” ظاهرة غير عادية في التاريخ اللبناني والعربي وجسدت معاني الكفاح والواجب الوطني والثوري دفاعاً عن الأرض والوطن، فخلقت فكرة المقاومة بطابعها الوطني اللبناني الجامع لكل الفئات ضد الاحتلال الاسرائيلي، ببعد ديموقراطي وثوري لا ينتمي الى فئة أو طائفة معينة.

وجدت لتنتصر وانتصرت، وكسرت واقع الانصياع للهزيمة والاحتلال الاسرائيلي ومحاربة الرجعية العربية وتبعات اتفاقية “كامب ديفيد”.

“جمول” قصة كفاح وطني وبارقة مشرقة في التاريخ اللبناني، قتلوا رموزها، وغيّبوها، واليوم نحن بحاجة الى “جمول” ببعدها الوطني لتكون عامل توحيد للبنانيين لإيجاد حلول وطنية في ظل الانقسام الداخلي.

شارك المقال