إقليم الخروب المحروم من الكهرباء… ضحية الهرطقات السياسية

حسين زياد منصور

تعاني غالبية المناطق اللبنانية من معضلة انقطاع التيار الكهربائي والتقنين القاسي، لكن اشتداد هذه الأزمة في الآونة الأخيرة دفع الناس الى التحرك أكثر لوضع حد لها. المشكلة أيضاً تعصف بمعظم قرى إقليم الخروب، هذه المنطقة التي تعتبر خزان الدولة من موظفي القطاع العام، من قوى أمنية أو موظفين مدنيين في مختلف دوائرها، مهملة ومتروكة وحدها، لم يزرها التيار الكهربائي ساعة واحدة منذ ما يقارب العشرة أيام، وخصوصاً تلك المناطق التي تتغذى من معمل الجية الحراري.

هذا الإهمال والغبن من المسؤولين ووزارة الطاقة وشركة كهرباء لبنان دفعا ببعض أهالي الاقليم الى اقتحام معمل الجية واطفائه احتجاجاً على انقطاع الكهرباء، وكانت المعادلة التي فرضوها اما تأمين التيار أو توقف المعمل نهائياً، لاسيما أنه يبثّ سمومه في أجواء بلدات الاقليم في المقابل من دون الحصول على أيّ ساعة تغذية، مع العلم أن المعمل قبل اشتداد الأزمة كان معرضاً في كل لحظة للتوقف، إن كان لأعطال كما في كل مرة أو لنقص وانقطاع في مادة الفيول.

وعود كثيرة سمعها أبناء الإقليم في سبيل إيجاد حلول لهذه المشكلة، والحل يبدأ باتخاذ القرار السياسي للإفراج عن بقية الحلول، لم يسمعوا يوماً عن مشكلة واحدة، فمرة بسبب معامل الانتاج ومرة في شبكه التوزيع.

الحجار

معمل الجية الحراري من أقدم المعامل، وأسوأها على الصعيد البيئي ويستهلك الكثير من الفيول، وأعلى كلفة انتاج في لبنان هي في هذا المعمل، بحسب ما يؤكد النائب السابق محمد الحجار، ويقول: “في العام ٢٠١٦ على ما أذكر تشكلت برئاستي في المجلس النيابي لجنتين فرعيتين لمتابعة أعمال معملي الذوق والجية، وسد بسري. في ما يخص الكهرباء، أخذت اللجنة قراراً بالإسراع في استبدال معمل الجية بمعمل جديد صديق للبيئة، لعدة أسباب منها عمره الطويل، كلفة إنتاجه العالية، تقنية التبريد المسرطنة والتي تشكل ضرراً للمناطق المحيطة بالمعمل وأيضاً للعاملين فيه وتلويثه للبيئة”.

ويضيف: “بالفعل أخذت حكومة الرئيس سعد الحريري في ذلك الوقت قراراً باستبداله مع نهاية العام ٢٠١٩، بعد اجراء كل الدراسات المطلوبة، من دراسة جدوى ومخطط توجيهي ودراسة شبكتي النقل والتوتر المتوسط المربوطتين بموقع المعمل، كما النظر في كيفية الافادة من منشآت المعمل والمعدات الموجودة فيه، لكن للأسف وزراء الطاقة العونيون المتعاقبون لم يكن في نيتهم العمل والوصول الى نتيجة ومنعوا غيرهم من إتمام ذلك. كل ذلك لأن تفكيرهم طائفي ومناطقي، وجلّ همهم كان تبرير إنشاء معمل لا حاجة اليه في سلعاتا، حتى ولو كان ذلك بكلفة وهدر مالي كبير”.

ويشير الحجار الى أن “قرى إقليم الخروب قبل الحرب الأهلية، كانت تحصل على الكهرباء من معملي بولس أرقش وشارل الحلو في حوض بسري، لكن مع انتهاء الحرب والبدء بعملية التأهيل، والخطة التي وضعها الرئيس الشهيد رفيق الحريري، لتطوير قطاع الكهرباء، نقلت تغذية قرى الاقليم الى معامل إنتاج أخرى وكانت الأمور على ما يرام لأنه لم تكن هناك مشكلات تقنين تذكر كما يجري الآن وخصوصاً في السنتين الأخيرتين، بحيث تنعم مناطق وقرى خارج الإقليم بكهرباء شبه دائمة بينما تحرم منها قرى الإقليم، وفيها المعامل الكهرومائية”.

ويشدد على أن “هذا الأمر لم يعد من الجائز قبوله”، لافتاً الى أن “ما نسعى اليه اليوم هو عدالة توزيع الكهرباء المنتجة من المعامل الكهرومائية بين جميع القرى، لا نريد اقصاء أي بلدة أو ظلم أي أحد في ذلك”.

علوية

وللتعرف أكثر الى إمكان ربط باقي قرى إقليم الخروب بشبكة الليطاني، يشرح المدير العام للمصلحة الوطنية لنهر الليطاني سامي علوية أن “إمداد كل قرى إقليم الخروب بالتيار الكهربائي من محطات الليطاني، يستوجب توافر شرطين، الأول وجود انتاج للكهرباء، وهذا الشرط متوافر، فإنتاج الكهرباء في المعامل يفوق حاجة البلدات التي تتغذى من مصلحة الليطاني مباشرة. الشرط الثاني تواجد محطة أو محول يتمكن من توزيع هذه الكهرباء على التوتر المتوسط، وهو الشرط غير المتوافر، وقرار اضافة قرى على شبكة الليطاني ان كان في البقاع الغربي أو إقليم الخروب أو الشوف يتخذ لدى شركة كهرباء لبنان، لأن محطة عبد العال (توتر متوسط) هي لشركة كهرباء لبنان لكن موجودة على أراضي المصلحة”.

ويؤكد علوية أن “هناك قرى على صعيد إقليم الخروب، تستحق التغذية من مصلحة الليطاني أكثر من غيرها، مثلاً المعمل الموجود في ضيعة علمان، لا تحصل على الكهرباء منه، يصل الموظفون الى معملهم ولا توجد كهرباء حولهم أو انارة، وأيضاً بلدة بسابا على سبيل المثال بالقرب من المعمل ولا تحصل على الكهرباء منه”.

ويقول: “من أجل إضافة قرى من إقليم الخروب على الشبكة طلبنا من كهرباء لبنان ذلك، وكانت ندى البستاني وزيرة طاقة، حصل الاجتماع مع شركة الكهرباء، وكان قرار مجلس الإدارة توسيع محطة الأوّلي، وتصبح لها ٦ خطوط بدل ٣، أي قرى جديدة في الشوف واقليم الخروب وجزين، وتصبح التغذية ١٣ ساعة بدل ١٥ فيستفيد عدد أكبر من القرى بعد تكبير المحطة. لم يحصل ذلك بحجة الثورة، حتى تم تعيين مجلس إدارة جديد لشركة كهرباء لبنان. ودخل على مجلس الادارة الجديد طارق عبد الله وسامر سليم، وكان لهما رأي مغاير ووجهة نظر أخرى، رفضا تكبير المحطة، وتقوم مصلحة الليطاني بإعطاء الكهرباء على التوتر العالي لا المتوسط الى محطة سبلين وهما يقومان بتوزيعها من هناك، لم أمانع ذلك، مع العلم أن هذا الطرح سيؤدي الى ثورة علينا في البقاع الغربي وراشيا، لأن ما سيحصل دمج للإنتاج الكهرومائي والحراري في هذه الحال نصبح مثل معمل الجية، مع العلم أن هذا الاقتراح كانت شركة الكهرباء قد جربته في جب جنين وفشل”.

ويضيف علوية: “هناك حل تبنته كهرباء لبنان بقرار مجلس الادارة وأعلنت المناقصة والحل لتنفيذها، كما سبق وأقر مجلس الوزراء ما يقارب ٦٠ مليون دولار من سندات السحب، يحتاجون الى ٥٠٠ ألف دولار فقط لتكبير محطة الأولي وإضافة قرى على الشبكة، هذا ما يسمى اللامركزية الاستثمارية الفرعية ونتمكن من إعطاء الكهرباء للقرى والبلدات المجاورة للمعمل، ونشبه بذلك ما تقوم به شركة كهرباء زحلة”.

ويشير الى أن “هناك عدة حلول واضحة، الأول، تعزيز التغذية لمحطة سبلين، طالما لا توجد معامل حرارية تزود محطات ضخ المياه، وبعد تشغيلها تقوم بإعطاء تغذية اضافية من الحراري والمائي. اما الحل المستدام فيكون بتكبير محطة الأوّلي، بوجود المزيد من الكهرباء يمكننا اعطاء بلدات جديدة ولا يبقى ابن الإقليم بدون كهرباء ويكون هناك معمل في خدمته”، لافتاً الى أن “الحلول هينة، عرضت عليهم حلاً غير مكلف، بإزالة التعديات على الشبكة في البقاع الغربي وجزين والنازحين السوريين، لكنهم لا يريدون العمل لأجل الناس، وبإزالة هذه التعديات يمكن اعطاء قرى مقابل ذلك، ويمكن تكبير المحطة ليستفيد أكبر عدد من القرى والبلدات”.

وعن توزيع الكهرباء الحالين يقول علوية: “استناداً الى قدرة المحول تقوم شركة الكهرباء بإضافة القرى، حالياً يوجد محول رئيس ومحول ثان، المحول الرئيس يضم خط جزين١ من الشوف الى جزين مكتمل، اما المحول الثاني، فيضم خطين، خط جزين٣ إقليم التفاح – جزين، وخط جزين٢ لإقليم الخروب وهو الخط الذي ينتهي بمزبود، هذا المحول لا يتحمل هذا الضغط”.

ويوضح أنه رفض في عهده إضافة أي قرية على الشبكة، “وآخر مرة تمت فيها إضافة قرى على الشبكة قبل توليه المنصب، عندما كان جبران باسيل زائراً في البقاع الغربي حيث تم إضافة بلدات يعتبرها تابعة له وضيعتين أو ثلاثة في إقليم الخروب، معتبراً أن “كل ذلك بسبب السياسة فهم يعتبرون أن مناطق الجنوب واقليم الخروب درجة ثانية، والمناطق التابعة لهم في جبل لبنان درجة أولى لذلك يريدون الفائض في الكهرباء لتوزيعه هناك، فالمعادلة (بدي حل مشكلة اقليم الخروب ودير عمار واقف وسلعاتا مش شغال)”.

طعمة

ويرى المحامي جاد طعمة المطلع على ملف الطاقة الكهرومائية أن “الوقت حان للاهتمام بالمعامل الكهرومائية الموجودة على الأراضي اللبنانية وصيانتها، والابتعاد عن توليد الطاقة في المعامل الحرارية، والهدف منها في نهاية المطاف السمسرات والسرقة وهدر المال العام”.

ويشير الى أن “معامل الليطاني هي الوحيدة التي تنتج الطاقة، هناك العديد من المعامل الموجودة ولا تعمل أو تنتج طاقة، ومنها معامل شبكة نهر البارد، معامل شبكة نهر إبراهيم، معمل الصفا رشمايا، معمل عين الجوز شكا، معمل قاديشا وغيرها. هذه المعامل لها قدرة على انتاج ما يقارب ٢٨٨ ميغاوات، وتلعب دوراً في التوفير على الخزينة اللبنانية والمواطن”.

ويؤكد طعمة أن “تأهيل هذه المعامل وصيانتها يكلفان أقل بكثير مما يصرف على الطاقة في المعامل الحرارية، على الرغم من أنها غير كافية الا أن هذه المشاريع تؤمن جزءاً من الطاقة التي يحتاجها لبنان وهي ما يقارب الـ ١٥٠٠ ميغاوات، وهذه المعامل تؤمن حوالي ٣٠٠ ميغاوات، لكنها تضع حداً للهدر والفساد اللذين يحصلان في تشغيل المعامل الحرارية”.

خلاصة الكلام مطالب أهالي الإقليم واضحة جداً، من حقهم الحصول على التيار الكهربائي من المعامل الكهرومائية الموجودة في أراضيها، بطريقة عادلة من دون إلحاق الضرر بأحد، خصوصاً قبل بدء فصل الشتاء في ظل ارتفاع أسعار المحروقات لتأمين التدفئة اللازمة.

شارك المقال