فراغ الحكم… من “فراغ” الحكام!

ياسين شبلي
ياسين شبلي

مستفز ومهين ومخجل هذا الاستسلام اللبناني للفراغ الآتي، من قِبَل من يُفترَض أنهم مسؤولون في هذه الدولة وهذه السلطة وهذا المجتمع، من رؤساء ونواب وفعاليات إقتصادية ومنظمات مجتمع مدني، ومميتة هذه القدرية في التعامل معه وكأنه أمر طبيعي. قد يقول قائل بأن تجارب السنين الماضية في الحكم لم تكن مشجعة للبعض، بل كانت إلى الفراغ أقرب وربما أخطر بالنسبة الى البعض الآخر. قد يكون في هذا القول والشعور الكثير من الصِحة، ولكنه لا يبرر هذا الاستسلام بل على العكس يجب أن يكون حافزاً للتغيير وإستخلاص العِبر من هذه التجارب، فالفراغ لم يكن يوماً هو الحل لأنه أمر غير طبيعي ترفضه الطبيعة البشرية، فكيف بالحري إذا كان يتعلق بمصير بلد وشعب باتت أقصى أمانيه أن يرمي نفسه في البحر عبر قوارب لا تصل به إلا إلى الموت في غالب الأحيان؟

على الرغم من أن لبنان دخل ضمن المهلة الدستورية المطلوبة لإنتخاب الرئيس، تستمر الأمور بصورة إعتيادية وكأن شيئاً لم يكن، فالمجلس النيابي وبدلاً من أن يقوم بواجبه الانتخابي في بداية المهلة الدستورية بصفته هيئة ناخبة، نراه يناقش ميزانية عام شارف على الانتهاء، مقدمة من حكومة مستقيلة لم تحظَ بثقته أصلاً، يرأسها رئيس مكلف منذ حوالي ثلاثة أشهر من قِبَل هذا المجلس الذي أعطاه التكليف وتركه يصارع وحيداً، غير آبه بالتكليف الذي أصدره ومصيره، على الرغم من أن الحكومة يفترض أن تتشكل من القوى التي منحت هذا التكليف وهي القوى نفسها المكونة لمجلس النواب، ومع ذلك فالرئيس المكلف عاجز عن تشكيل حكومة جديدة بسبب التعطيل المتعمد من “رئيس قوي” يرى القوة في التعطيل وليس في الإنجاز، ويقضي أوقاته وهو يجول ما بين بعبدا والسراي، وما بين لندن ونيويورك طلباً لحكومة لزوم ما لا يلزم، لولا هذا الاستسلام للفراغ الذي يبدو أنه بات قدراً على اللبنانيين تحمله وتحمل تبعاته. فبدلاً من أن تتجه الجهود الى محاولة إنتخاب رئيس حسب الأصول الدستورية، يهرب الجميع إلى الأمام بحثاً عن حكومة أصيلة تملأ الفراغ الذي بات مسلماً به، وذلك عبر تعويم الحكومة المستقيلة مع بعض الرتوش بإنتظار “الوحي” الخارجي كما جرت العادة في هذا البلد التعيس، الذي بات يفتقد رجال دولة لديهم الحد الأدنى من الشعور بالمسؤولية الوطنية تجاه وطنهم وشعبهم ومستقبله.

قد يرى البعض في ما نقول ونطلب ضرباً من الطوباوية وكأننا لا ندري أين نعيش، ولا عن أي بلد نتحدث! لا يا سادة لسنا بطوباويين ونعي جيداً ما نقول، كل ما نطالب به هو أن يكون لبنان بلداً طبيعياً كغيره من بلدان هذا الكوكب، فما هو غير طبيعي ولا منطقي أن نترك مصيرنا بين أيدي أناس غير طبيعيين ولا أسوياء. وما هو غير طبيعي أن نترك بلدنا مربوطاً إلى خمسة أو ستة “أحصنة” كلٌ يشده في إتجاه. ما هو غير طبيعي ولا منطقي أن يبدي البعض في هذا العالم إستعداده لمساعدتنا نظير أن نعود بلداً طبيعياً كبقية خلق الله، وأن يبحث الآخرون مصيرنا ويضعون لنا خارطة طريق للخلاص مقابل أن نوقف السرقة والهدر وتقاسم المغانم، بينما نحن مختلفون على “جنس الملائكة” وطائفتهم وهويتهم السياسية في الوقت الذي نترك فيه “شياطيننا” يعيثون في الوطن فساداً .

إننا بتنا نفتقد اليوم رجال دولة حقيقيين أصحاب مبادرات خلاَّقة تجمع ولا تفرق، رجالاً يستنبطون الحلول من قلب المشكلات بدل أن يعقِّدوها فيعمِّقونها. نريد رجالاً يرتفعون الى مستوى الوطن، لا “خصياناً” أو أشباه رجال ينزلون بالوطن إلى مستواهم ويتلقون التعليمات من خلف الحدود والبحار، ومع ذلك يعتبرون أنفسهم أنصاف آلهة أو مكلفين من الآلهة بذبح هذا الشعب قرباناً لمصالح أسيادهم. فالأوطان والدول تنمو وتكبر بالرجال لا بأشباههم الذين يحرقون بلداً وشعباً من أجل إشعال “سيكار”، أو بناء مجدٍ شخصي لا بد سيأتي يوماً… ويزول.

شارك المقال