ماذا لو توّحدت المعارضتان على إسم رئاسيّ واحد؟

جورج حايك
جورج حايك

يتصدّر الاستحقاق الرئاسي لائحة الأولويات لدى القوى السياسية، على الرغم من الكلام الجديّ عن شغور قد يحصل في مقام رئاسة الجمهورية، نتيجة الخريطة السياسية التي أنتجتها الانتخابات النيابية في المجلس النيابي الجديد وخلقت توازناً بين القوى السياسية يمكن أن يترجم تعطيلاً متبادلاً لجلسات الانتخاب.

لكن هذا الوضع المرتقب لم يمنع القوى السياسية الممثلة في المجلس النيابي من تنظيم نفسها، وسجّلت محاولات تقارب في الآونة الأخيرة، وربما تتجه الأنظار إلى المعارضة التي ليست في الحقيقة، بتكوينها، معارضة واحدة بل معارضتان: الأولى تتألف من نواب الأحزاب السيادية مثل “القوات اللبنانية” و”الكتائب” وشخصيات مستقلة سيادية، والثانية تتألف من النواب التغييريين الذين انتخبهم الشعب المؤمن بمبادئ ثورة 17 تشرين.

لا شك في أن المعارضتين بعد الانتخابات النيابية مباشرة كانتا متباعدتين وأدى ذلك إلى خسارتهما انتخابات رئيس مجلس النواب ونائب الرئيس وهيئة مكتب المجلس واللجان المشتركة، وتمكنت أحزاب السلطة، أي “حزب الله” وحركة “أمل” و”التيار الوطني الحر”، من تسجيل نقاط متقدمة على المعارضتين نتيجة عدم توحّد رؤيتهما.

ويبدو أن الناس التي انتخبت هؤلاء بدأت تحمّلهم مسؤولية الفشل، وحمّلتهم مسؤولية التقاعس في توحيد جهودهم من أجل إنقاذ ما تبقى من البلد الذي يتخبط بالإنهيار السياسي والاقتصادي والاجتماعي نتيجة وضعه في محور الممانعة وتبعيته لإيران، مما سبّب له عزلة عربية ودولية.

وصلت المعارضتان، ولو متأخرتين، إلى قناعة بضرورة الإصغاء إلى صراخ الشعب، ووجدتا أن الفرصة متاحة في الاستحقاق الرئاسي، من هنا بدأت الاجتماعات بعضها في الكواليس وبعضها الآخر على نحو علني!.

وعلى الرغم من أن المجالس بالأمانات، إلا أن القوى السياسية الموزّعة على المعارضتين، تقاطعت على ثلاثة أهداف أساسية:

– الهدف الأول قطع طريق البرلمان على أي رئيس للجمهورية من فريق 8 آذار أو قريب من هذا الفريق الذي جُرِّب في الحكم والنتيجة كانت كارثية على البلد، ويستحيل الخروج من هذا الوضع الكارثي قبل إخراجه من السلطة.

– الهدف الثاني تبني ترشيح الشخص الذي يزاوج في قناعاته وممارسته بين البعدين السيادي والإصلاحي، والأهم أن يتمتّع بالصلابة تجنباً لتنازلات ورفضاً لأجندات تتعارض مع الدستور والمصلحة العليا للبلد.

– الهدف الثالث هو التعامل مع نهاية ولاية الرئيس ميشال عون وكأنها نهاية لمرحلة من التعاطي السياسي بدأت مع الانتخابات النيابية الأولى بعد انتفاضة الاستقلال في العالم 2005، والمقصود ليس انتقاداً لتلك التجربة، بل انطلاقاً من مبدأ أن ما جرِّب قد جرِّب ولا يجب الاستمرار في دوامة التجارب التي لا تنتهي، إنما التعامل مع انتخابات أيار الماضي باعتبارها تأسيسية لمرحلة جديدة تبدأ في الأول من تشرين الثاني المقبل، فلا مساومات ولا مقايضات ولا تنازلات، بل الإصرار على تطبيق الدستور ولو كلّف الأمر فراغات رئاسية وحكومية مفتوحة، لأن لا قيمة لحكم يشكل غطاءً لسياسة أمر واقع انقلابية على الدستور.

ومع دخول البلاد في المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية، تكثّفت اللقاءات التنسيقيّة بين قوى المعارضة مستفيدة من مكوّنات ثلاثة:

– الأول، المكوِّن الدولي الذي كان شديد الوضوح في بيانه الثلاثي الصادر عن واشنطن وباريس والرياض بأنّ المدخل لتقديم الدعم العربي والدولي المنشود للبنان يرتكز على انتخاب رئيس للجمهورية يلتزم باتفاق الطائف والقرارات الدولية والاصلاحات المطلوبة، وإلا لا دعم ولا من يحزنون.

– الثاني، المكوِّن الشعبي، أي الرأي العام اللبناني العريض، الذي يُدرك أنّ خروجه من المأساة التي أوصلوه إليها يبدأ من انتخاب رئيس للجمهورية غير خاضع لمنظومة السلاح والفساد، وإلا فإن فصول المآسي ستتوالى وتتواصل.

– الثالث، تقارب وجهات النظر بين المكوّنات المعارضة نفسها، مثل “القوات” والحزب “التقدمي الاشتراكي” والنواب التغييريين، مما حرّك الأمور بدينامية فاعلة سعياً إلى عهد جديد يعيد وضع الحدود بين الدولة والدويلة، وهنا بدأ البحث عن الأسماء، بعد الاتفاق على المواصفات، ويبدو أن الأسماء المتداولة والأكثر استقطاباً لقوى المعارضة هي قائد الجيش العماد جوزف عون وسمير عساف وناجي أبي عاصي وصلاح حنين…

إذاً المعارضتان حققتا إنجازاً كبيراً، ولا شك أن الحراك السعودي – الفرنسي لعب دوره على هذا الصعيد، وستذهبان إلى المجلس النيابي عندما يدعو الرئيس نبيه بري إلى جلسة، بإسم واحد، بعدما أزيلت كل العوائق، مما سيجعل “حزب الله” وفريق 8 آذار في موقع رد الفعل، إلا أنه قد تكون هناك أفخاخ على الطريق المؤدية إلى المجلس النيابي، والفخ الأول أن تربط المعارضة حركتها بحركة فريق الموالاة، إنما يجب أن تتعامل مع هذا الأمر على قاعدة أنها غير معنية بخلاف هذا الفريق أو اتفاقه، لأن نهج كل مكوناته مدمِّر للبلد، والمسألة الوحيدة التي يجب أن تشكل محور تركيز المعارضة واهتمامها تكمن في تسريع وتيرة حركتها وصولاً إلى ترشيح من يجب ترشيحه.

الفخ الثاني رهان قوى المعارضة على تدخُّل دولي مساعد لمنع الفراغ وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وخطورة هذا الفخ أنه يجعل بعض مكونات المعارضة تتلكأ في القيام بدورها اتكاءً على دور خارجي أثبتت التجربة مع الاستحقاق الرئاسي السابق ومع المبادرة الفرنسية على أثر انفجار المرفأ، وفي أكثر من محطة ومناسبة أنه غير مؤثر وغير حاسم، فيما الرهان الوحيد لقوى المعارضة يجب أن يكون على نفسها ودورها ومبادراتها.

الفخ الثالث هو اقناع المعارضة نفسها بأن الانهيار والكوارث والفقر والعزلة والمأساة التي انزلق إليها لبنان ستدفع فريق 8 آذار إلى تبديل سياساته حرصاً على لبنان واللبنانيين، فهذا غير موجود في ذهنيّة “حزب الله” على الأقل.

في ظل مساعي المعارضة الجديّة، يبدو “حزب الله” غير مبال بالاستحقاق الرئاسي حتى اليوم، ويعطي الأولوية للترسيم مع إسرائيل واستخراج الغاز ظنًّا منه أنّ هذه الخطوة تكفل له السيطرة على الثروة النفطية واستثمارها خدمةً لمنظومته السياسية الفاسدة، فضلاً عن أنّه يتجنّب الخلاف مع حليفه العهد من الباب الرئاسي بسبب حاجته الى مظلته المسيحية والسياسية على الرغم من انحسارها الكبير، وخصوصاً بعد تراجع حيثية “الحزب” داخل كل البيئات اللبنانية، وهذا ما دفعه إلى أن ينأى بنفسه عن الملف الرئاسي بانتظار أن يتفاهم مع حليفه ويتبلور الظرف السياسي أو المومنتم الرئاسي.

وهناك من يؤكد أن غياب الملف الرئاسي عن طاولة العهد و”الحزب” سببه الأساس أنّ هذا الثنائي غير قادر على إبقاء رئاسة الجمهورية تحت سيطرته، ويظن أنّه بشراء الوقت يتمكّن من انتخاب رئيس 8 آذاري، مما قد يُنذر بشغور طويل، وخصوصاً أن الرئيس بري أعلن مراراً وتكراراً أنه لن يدعو إلى جلسات انتخاب الرئيس إلا إذا شعر بأجواء توافق، وهذا متعذّر في الوقت الحاضر.

شارك المقال