النووي… فرصة بوتين للنجاة من الهزيمة

جنى غلاييني

لا يريد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استخدام الأسلحة النووية، مثلما لا يريد الاستمرار في خوض عمليته العسكرية الخاصة ضد أوكرانيا، لكنه لا يزال يقاتل لأنه غير قادر على الفوز. هذا يعني أيضاً أنه قد يستخدم سلاحاً نووياً، اذ هدد الأسبوع الماضي في خطاب ألقاه بأنه “في حالة وجود تهديد لوحدة أراضي بلدنا والدفاع عن روسيا وشعبنا، فإننا بالتأكيد سنستخدم جميع أنظمة الأسلحة المتاحة لنا وهذه ليست خدعة”. كما اعتبر نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف أن موسكو لها الحق في الدفاع عن نفسها بالأسلحة النووية إذا تم تجاوز حدودها، وأن هذا “بالتأكيد ليس خدعة”.

بالنسبة الى بوتين فإن التصعيد النووي لن يكون وسيلة لانتزاع النصر من بين فكي الهزيمة، ولكن لانتزاع البقاء السياسي أو حتى المادي، هذا هو السبب في أنه قد يستخدم النووي ليتجنب خسارة حرب تقليدية غير نووية.

ويرجح أن يفجر بوتين واحدة أو أكثر من القنابل النووية “التكتيكية”  متفجرة الغلة الكبيرة الكافية للقضاء على موقع للجيش الأوكراني أو مركز لوجيستي لكنها صغيرة جداً لمحو مدينة بأكملها.

وبإلقاء مثل هذه القنبلة، سيشير بوتين إلى رغبته في استخدام المزيد، وسيكون دافعه إجبار أوكرانيا على الاستسلام للخروج من الصراع، لكن من دون دعوة الولايات المتحدة الى الانتقام التلقائي، فهو يريد أن يتنحى أعداؤه حتى يتمكن من إعلان النصر والبقاء في السلطة.

إن مثل هذا الفعل اليائس من شأنه أن يمثل أحلك منعطف في تاريخ البشرية منذ هيروشيما وناغازاكي، لأنّه لن يؤدي إلى قتل أعداد كبيرة من الأبرياء وتشويهها وصدمتها وحسب، ولكنه سيسبب أيضاً إرهاباً دائماً في جميع أنحاء العالم.

في المقابل، ردت واشنطن على التهديد المستتر الذي أطلقه بوتين باستخدام الأسلحة النووية، محذرة من عواقب وخيمة، وأن رد الولايات المتحدة سيكون “حاسماً”.

العميد الركن المتقاعد يعرب صخر أوضح لـ”لبنان الكبير” الفرق بين السلاح النووي التكتيكي والاستراتيجي، بالقول: “إنّ السلاح التكتيكي صغير الحجم ويستخدم لأهداف محدّدة وله مدى أقصر من الأسلحة النووية الاستراتيجية، وصمم لمهاجمة موطن الخصم بصورة مباشرة لكن أضراره تبقى محدودة. أمّا السلاح الاستراتيجي فهو بمعنى (علي وعلى أعدائي) وأضراره كبيرة جدّاً ويطال مساحات وبقع أوسع بكثير من موطن الخصم. إذاً للأسلحة النووية التكتيكية قوة تفجيرية أقل من الأسلحة الاستراتيجية، مما يعني أنها أقل قوة من الناحية التفجيرية، وإذا استخدمت الأسلحة النووية الاستراتيجية فتحوّل وجهة الحرب من حرب تقليدية الى رعب نووي”.

أضاف: “إذا قام بوتين بالتصعيد على مجال واسع فستتضرّر كل أوروبا وبالتأكيد ستتضرّر روسيا بحد ذاتها، لذا فلا رابح في هذه الحرب النووية إنّما الجميع خاسرون، وهناك احتمال كبير أن تصل أضرارها الى مناطق البحر المتوسّط مع تلوّث الجو من النووي بحسب وجهة الرياح، فإذا كانت شمال جنوب سوف يصل الهواء الملوث الى البحر المتوسط”.

وعزا صخر اضطرار بوتين لاستخدام النووي في حربه على أوكرانيا الى أنه “لن يقدر على العودة الى الوراء، فلديه هدف راسخ وهو التقرير في كل أوروبا عبر أوكرانيا والسيطرة عليها بعدما كان يظن أنها ستكون كنزهة جزيرة القرم، واعتقد أنّ موقع أوكرانيا الاستراتيجي يشكّل النافذة التي يطل منها الروسي على كل النشاط الغربي ويفرض نفسه كمقرر سياسي مؤثر فيه، إضافة الى رغبته في وضع يده على ثروات أوكرانيا الى جانب موقعها الجيوبوليتيكي الذي سبّب لها الأذى. لهذا السبب كان بوتين قد وضع نصب عينيه احتلال أوكرانيا أو التقرير فيها لكي يأخذ إقليمي دونيتسك ولوهانسك وجزيرة القرم ويجبر المجتمع الدولي على الاعتراف بهما كأراض روسية، ولكن عندما وجد أنّ هناك صحوة أوروبية وعناداً أوروبياً قوياً وبدأت تنهال العقوبات عليه، أصبح يريد المضي حتّى النهاية باعتقاد أنّه يستطيع احتلال أوكرانيا فتبيّن أنّها ليست نزهة، لذا قد يلجأ اليوم الى كل الأساليب لعدم الهزيمة”.

القضاء على الأسلحة النووية سيكون “أعظم هدية يمكن أن نقدمها للأجيال القادمة”، بحسب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الذي حذر من أي استخدام لسلاح نووي من شأنه أن يحرّض على وقوع كارثة إنسانية.

ودعا غوتيريش، خلال الاجتماع رفيع المستوى، الذي عقدته الجمعية العامة الاثنين، احتفالاً باليوم الدولي للإزالة الكاملة للأسلحة النووية، إلى ضرورة وضع نهاية لـ”عصر الابتزاز النووي”، مشيراً إلى أن فكرة أن أي دولة يمكن أن تقاتل وتنتصر في حرب نووية هي “فكرة مختلة”. ورفض الادعاء بأن نزع السلاح النووي هو “حلم طوباوي يستحيل تحقيقه”، مؤكداً أنه لا يمكن أن يكون هناك سلام من دون إزالة الأسلحة النووية.

شارك المقال