سلاح “حزب الله”… والعهد الجديد

فاطمة حوحو
فاطمة حوحو

لا يمكن تصور أي حل للأزمات المتتالية في لبنان من دون حل لب المشكلة، وهي سلاح “حزب الله” الذي يعتبر البعض أنه سيحل نفسه بنفسه لأنه سيتحول إلى خردة ولن يستخدم في الداخل، كما تردد بعيد حرب العام 2006 ومع إصدار القرار 1701، إلا أن هذا الكلام نسفته الاغتيالات والتلويح به لترهيب اللبنانيين الذين تهربوا من مسؤولية معالجة المشكلة داخلياً، بإعتبار أن هذا السلاح أصبح مشكلة إقليمية وعلى الدول المعنية التصرف.

سلاح “حزب الله” الذي وضع على طاولة الحوار ذات مرة للنقاش، وجرى “تدليع” حامله بصفته جزءاً من مكونات الشعب اللبناني، تنصل بعدها الحزب من “إعلان بعبدا”، وتحرر من لبنانيته ليعلن بوضوح أنه حزب إيراني في لبنان وأيديه أخطبوط في المنطقة لخدمة مشاريع الولي الفقيه.

ما يغيب عن أذهان البعض أن استخدام سلاح “حزب الله” في الخارج لم يعنِ أن لبنان قد نجا منه، إذ أن كل مفاعيله السود بانت في الساحة اللبنانية، وما نشهده حالياً من إنهيار للدولة ومؤسساتها خير دليل، فسلاح الحزب يحمي فساد الطبقة السياسية ولم يقف يوماً في وجه مشاريع وقرارات تأخذ البلاد نحو الإفلاس، بل كان يبني على الشيء مقتضاه في بناء مؤسساته ليشكل بديلاً من مؤسسات الدولة التي تسبب بإنهيارها، وأدار هذا الفساد مع حلفائه في علاقة منفعية واضحة، هم يسكتون عن سلاحه وادارة محور الكبتاغون والمخدرات وهو يتغاضى عن فسادهم.

ولعل أكثر ما يوجع اللبنانيين هو تلطي “حزب الله” خلف عنوان “المقاومة” لحفظ سلاحه حامي مصانع الكبتاغون وقاتل الشعبين السوري واليمني والمقاتل خلف حدوده لتخريب أمن الدول العربية، وتحوله الى سلاح حماية لما أسماه “مقامات شيعية”، وتجنده بوضوح في جيش ولاية الفقيه لحماية تجاربه النووية وخدمة للمصالح الايرانية.

والمستغرب أن هناك أحزاباً أصاب عقول قياداتها الصدأ، لا تزال تقارب مسألة سلاح “حزب الله” بخطاب سطحي وشعارات “وطنية” فارغة، وهي تدرك حكماً أنها تؤمن التغطية لسلاح غير شرعي موصوف بالإرهاب، ولم يكن أبداً سلاحاً وطنياً لتحرير الأرض والدفاع عن لبنان ومصالحه في وجه اسرائيل. والحقيقة المرة ظاهرة في حفلات الترسيم وتغطية المفاوضات مع العدو الاسرائيلي عبر مفاوض الشيطان الأكبر، وما يظهر حتى الآن منها ليس في صالح لبنان وإن جرى تدوير الزوايا والبيع والشراء في الحدود البحرية.

لقد استخدم سلاح “حزب الله” داخل لبنان وخارجه بحسب حاجة مشغليه في الحرس الثوري، الذي يدفع له رواتب مجنديه ويسلحهم ويدفع بهم الى ساحات القتال حتى تحولت الجمهورية اللبنانية الى محافظة إيرانية، وظهر للعلن أن مشروع سلاح الحزب السيطرة على الكيان اللبناني وليس مقاتلة اسرائيل، وكان قد قتل بسلاحه من قاومها، وأن حق المقاومة هو لجميع اللبنانيين وليس حكراً على طائفة معينة أو من اختصاص حزب ولاسيما حزب ديني في مجتمع متعدد.

لقد باع لبنانيون كثيرون أمثال “التيار الوطني الحر” لبنانهم من أجل السلطة وسرقوا أموال المواطنين وتعبهم وناموا على دماء الشهداء ضحايا سلطة الفساد والقتل والقهر كما حصل في مرفأ بيروت وكما يحصل في قوارب الموت اليومية.

كل الذين يتحدثون عن سلاح “حزب الله” اليوم ويدعون الى سحبه ويساجلون من أجل معالجة المشكلة، ليس لديهم أي تصور أو خطة واضحة لا سابقة ولا حالية تنقذ لبنان من تأثيراته وتحصّنه في وجه الخطط المرسومة له من أجل حمايته من حرب أهلية خصوصاً وأن هذا السلاح مستنفر في الأحياء والبلدات، ولا ينفع الصراخ هنا بل لا بد من فهم الواقع والتعامل على أساسه، فهذا السلاح لا يهدد دولاً وأمن الخارج وحسب، بل هو موجود في مافيات الدولار والمخدرات وأصحاب المولدات الكهربائية، وداخل عائلات المجندين في الحزب الذين يقاتلون هنا وهناك، وهناك عائلات تعتاش من وراء هذا التجنيد ومن العمل في مؤسسات “حزب الله” المختلفة من مستشفيات وسوبرماركت وشركات ومقاه ومطاعم وحدائق ومؤسسات اعلامية وسياحية، فالحزب دولة بكل معنى الكلمة لم تعلن إفلاسها بعد كما هو حال الدولة اللبنانية المقطوعة الأنفاس، والأمور لن تبقى على حالها اذا ما أعلن الحزب توبته وبالتالي صار على اللبنانيين واجب إحتضان بيئته.

لقد خيل الى “حزب الله” أنه قادر على المسك بالقرار اللبناني عبر “العهد القوي”، وقد يكون حقق نجاحاً في فرض سياساته ورسم لنا درب الوصول الى قاع الجحيم، وسعى الى امتلاك مؤسسات الدولة عبر حلفاء صارت دناءة أنفسهم مضرب مثل في العالم، الا أن معظم اللبنانيين يفهم اليوم أن عليه التشبث بدولته وجرها من حضن الولي الفقيه الى محيطها العربي الطبيعي والى الاهتمام العالمي، والخروج من العزلة المفروضة بحكم السياسات الانتحارية للحكم المرتبط بسياسات ايران. فاللبنانيون دفعوا أثماناً غالية من أجل إبقاء اسم لبنان عالياً كدولة مستقلة ذات سيادة لا يبتعلها حليف أو صديق أو عدو، مهما أقام دويلات فيها ومهما ربط خيوط مصيرها بيديه، فلا بد من أن تنقطع هذه الخيوط لصالح الوطنية اللبنانية الحقيقية بعيداً عن الشعارات المزيفة التي تسببت بعزل وطنهم عن العالم وكادت ترديه بسلاح غير شرعي. لقد حان الوقت لكي يزيل لبنان عن جسده التطرف والارهاب ونزع السلاح من يد “حزب الله” الذي لا يملك غيره لفرض ما يريده، وهو يستقوي به ولا يعير الثوابت الوطنية أي اهتمام، لكن اللبنانيين الذين ألغوا حكم الوصاية السورية وحرروا بلدهم من الاحتلال عام 2000 وأنهوا أسطورة العدو الذي لا يقهر وأعادوا بناء ما تهدم بدموع العين، يستطيعون رفض وصاية “حزب الله” عليهم والطريق مفتوحة في الاستحقاق الرئاسي وفي حكومة قادرة على تطبيق اتفاق الطائف وبنود الدستور لا تعليقه لخدمة مشاريع صهر أو إبن أو حليف خارج الحدود، فهل نحلم؟

شارك المقال