المولد النبوي الشريف ذكرى تؤرخ سماحة الاسلام ورحمته

السيد محمد علي الحسيني

منذ عقود وعصور تحتفل الأمة الإسلامية قاطبة بذكرى خاتم الأنبياء والمرسلين محمد (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم) تستذكر في هذه المناسبة سيرته الشريفة منذ مولده الميمون إلى لحظة نزول الوحي وتلقيه رسالة رب العالمين للناس أجمعين، إلى بطولاته وصبره وهجرته حتى وفاته، سيرة حبلى بالأحداث والعبر والدروس، فمولده شكل نقطة تحول في تاريخ البشرية التي عانت من الظلم والاستعباد والحروب الدموية التي استمرت لسنوات وسنوات، فجاء محمد (صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم) لينقل الإنسان من مرحلة الظلام إلى مرحلة النور، ومن مرحلة الاستعباد إلى مرحلة الحرية ومن مرحلة الضيم إلى مرحلة العدالة، فجاء مولده ليكون رحمة للبشرية قاطبة: “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين”.

رسالة محمد للبشرية قائمة على المحبة والسلام

إن المرحلة التي عاشتها وتعيشها الأمم السابقة واللاحقة موصولة وغير منقطعة، ورسالة السماء كانت واحدة، قد تكون هناك خطابات خاصة لنبي من الأنبياء، موجهة الى قومه، لكن التعاليم لا شك واحدة، تصدر من مشكاة واحدة ورسالتها واحدة، ولا يكتمل إيمان المسلم حتى يؤمن بكل الأنبياء والرسل، في تأكيد واضح على ذلك. وما يميز نبينا محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم عن بقية الرسل أنه جاء للعالمين بكل لغاتهم وأديانهم وألوانهم ومشاربهم ليبلغ رسالة ربه وينشر قيم التسامح والمحبة والإخاء، فمحمد جاء معمراً برسالة تحترم الأديان واختلافهم، “لكم دينكم ولي دين”، “لا إكراه في الدين”، وعنوان العلاقة معهم قائم على قوله تعالى: “قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ”.

مدرسة محمد تحتوي جميع الأديان

من الظلم والإجحاف في حق محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أن يتم توجيه كلام جارح في حق اليهود والنصارى، بل إن ما يحدث لدى البعض مناف لقول وسلوك الرسول محمد الذي أكدت كل المراجع التاريخية حسن معاملته لأتباع الأديان ووصاياه الخالدة الدالة على ذلك، كزيارته لجاره اليهودي المريض الذي عاده على الرغم من سوء جيرته مع النبي الأكرم (ص)، ووقوف النبي لجنازة يهودي دليل قاطع على احترامه للذات الإنسانية، فعندما قال له أحد الصحابة متعجّباً: “إنّها جنازة يهوديّ”، ردّ عليه (ص) بقوله: “أليسَتْ نفساً”؟، فإنّ للنفس الإنسانيّة حُرمةً عظيمةً لا يجور قتل أهل الكتاب أو ظلمهم إذا كانوا غير مُعادين للإسلام والمسلمين، ومن الإنصاف أن نشير الى أنه في ظل الظروف السياسية والتاريخية التي عصفت بالعالم بسبب إيديولوجيات براغماتية، وضع أتباع الأديان على صفيح نار لإشعال الفتن وإذكاء الحروب تحت شعارات دينية مختلفة لا علاقة لها بجوهر تلك الأديان، فأصبح هناك شرخ كبير وحساسيات بالغة الخطورة ما استدعى الحال من العلماء الربانيين من أتباع الأديان السماوية إلى التحرك من وحي الشرائع السماوية لتحريك خطاب السلام والدعوة إلى وأد الفتن والتحريض على العنف والقتل باسم الأديان، كما أن رسالة محمد (ص) وأقواله ودعواته المستمرة إلى الإحسان إلى أهل الكتاب راسخة وتعكس جدية الإسلام في احترامهم وعدم ظلمهم والانفتاح عليهم عبر جسور الحوار.

شارك المقال