عائلة حبلص تناشد إبراهيم كشف مصير ابنها… “بس الله بيعرف وينو”

راما الجراح

كُتب له عمر جديد، تعلّق بالحياة وسبح ساعاتٍ متواصلة من دون إستسلام حتى وصل إلى شاطئ طرطوس، وبعد أن أدرج اسمه بين الناجين، وزارته زوجته في “مستشفى الباسل”، فُقِد أثره. هذه عينة من مأساة مركب طرطوس التي كانت أشبه بإبادة جماعية راح ضحيتها ١٠٠ شخص بينهم أطفال ونساء وشباب، من أصل ١٥٥ كانوا على متنه.

فؤاد حبلص، إبن بلدة ذوق الحبالصة العكارية شمال لبنان، ليس المفقود الوحيد، بل هناك آخرون لا يزال مصيرهم مجهولاً حتى اليوم ومنهم الشاب السوري أحمد البوبو، الذي تبحث عنه عائلته بين الجثث لتكذيب أفكارها عن السبب الذي أدى إلى اختفائه حتى اللحظة. جميعم باعوا ما يملكون أملاً بمستقبلٍ أفضل لهم ولعائلتهم، ولكن مافيات التهريب أوقعتهم في الفخ، والبحر غدر بهم فهاجمهم الموت ولم تستطع غالبيتهم النجاة.

نبدأ بقصة فؤاد، الذي ذهبت زوجته وشقيقته الى سوريا منذ لحظة سماع خبر غرق المركب، قابلتاه في “مستشفى الباسل” في طرطوس، ووضعه الصحي لم يكن خطيراً، حتى أنهما قامتا بسقيه الماء وتصويره عدة لقطات لإرسالها الى شقيقه يحيى الذي يعاني من سرطان في العظم ولا يستطيع السير كثيراً، للاطمئنان عليه، ثم غادرتا المستشفى. في صباح اليوم التالي عندما جاءت زوجته للاطمئنان عليه أبلغت بأنه نقل إلى المستشفى العسكري.

ولتوضيح الصورة أكثر، تواصلنا مع يحيى حبلص الذي قال عبر موقع “لبنان الكبير”: “طالبنا جهات سياسية مختلفة، وشخصيات ومسؤولين مقربين من النظام السوري بمساعدتنا للوصول إلى خبر عن فؤاد ولكن لم نصل إلى أي نتيجة. نحن متأكدون أنه لا يمكن أن يكون من بين الجثث المشوهة التي لم يتعرف عليها ذووها حتى الآن إلا مع احتمال قتله ووضعه معها وهذا مُستبعد. وعندما اختفى من مستشفى الباسل في طرطوس أخبرونا أنه نُقِل إلى المستشفى العسكري، ولكننا لم نجده هناك، ولدى سؤال زوجته عنه أجابها أحد العناصر الأمنية (بس الله بعد بيعرف وينو)!”.

أضاف حبلص: “لا أخفي أن هناك معلومات وصلتنا من أحد الأجهزة الأمنية اللبنانية تُحذرنا من الذهاب إلى سوريا لأن الوضع أصبح خطراً علينا أيضاً كأفراد عائلة فؤاد رجالاً ونساءً، والآن لا نزال نناشد وننتظر مَن يتحرك لمعرفة مكانه ومصيره لأن ما حصل ليس منطقياً، ولا شك في أننا سنذهب الى التصعيد، فالمفقود ليس دابةً يمكن التطنيش عنها، بل إنسان من لحم ودم تحدثنا معه ورأيناه بأُم العين وبين ليلة وضحاها اختفى، وعلى الرغم من ذلك لم نسمع حتى الاَن أي مسؤول طالب به أو حاول المساعدة أو تكلم بإسم المعاناة التي نعيشها”.

وناشد حبلص باسم أهل فؤاد المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم “الذي يتمتع بعلاقة طيبة مع كل الجهات، وله مساعٍ كبيرة من قضية مخطوفي أعزاز إلى راهبات معلولا وغيرهم، أن يسعى جاهداً الى معرفة أين أخي فؤاد وإرجاعه الينا، فهو سند المنزل ومُعيل العائلة، وناشط كغيره من الناشطين في لبنان، وليس معروفاً أساساً، وسلاحه الوحيد التعبير عن رأيه عبر مواقع التواصل الاجتماعي ليس أكثر، وكلنا أمل في أن تصل مناشدتنا وأن يستطيع اللواء ابراهيم الوقوف إلى جانبنا في هذه المصيبة”.

الخناق يضيق على رقاب المواطنين بسبب الأزمة الاقتصادية المتمادية في لبنان ما أدى إلى زيادة الطلب على الهجرة غير الشرعية، وخصوصاً مع أزمة جوازات السفر المستمرة منذ فترة طويلة وحتى اليوم، فهناك مواعيد بعيدة المدى، وأناس مثل فؤاد لم تعد تحتمل كل الضغوط وتسعى الى فرج قريب مهما كلف الأمر، ففؤاد هو معيل العائلة الوحيد، ومن يهتم بشقيقه يحيى ويؤمن له ٨ علب دواء شهرياً تبلغ تكلفتها ٣٠٠ دولار، وقد جازف بحياته ليؤمن لشقيقه وأهله حياة أفضل، وانتهى به الأمر في سوريا ومصيره مجهول حتى الساعة.

أما الشاب أحمد عزمي البوبو (١٨ عاماً) السوري الجنسية، فأُعلن عن اسمه واسم أخيه الصغير أمجد في الدفعة الأولى من الناجين الذين ظهرت أسماؤهم على وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي، وبعد ساعات اختفى اسمه، بحسب ما قالت خالته عبر موقع “لبنان الكبير”، مشيرة إلى أن والدته ذهبت إلى طرطوس منذ اللحظة الأولى التي أعلن عن غرق المركب، وبعد فترة استطاعت التعرف على جثة زوجها الذي غادر الأراضي اللبنانية مع ولديه، “وبفضل الله نجا أمجد، ولكن أحمد لا يزال مفقوداً ووالدته تبحث بين الجثث المشوهة ومن ضمنها ٥ نساء فقط والباقون أطفال وشباب، في محاولة لايجاد أحمد، وفي حال لم يظهر بينها نتأكد عندها أنه (ملقوط)! لأنه الآن في سن خدمة العلم، ومن الممكن أن يلحق بها، ولكن على الرغم من ذلك يجب إخبار ذويه بمصيره”.

شارك المقال