التوريث والإقطاع عنوان أساسي في السياسة اللبنانية

حسين زياد منصور

لطالما كانت السياسة اللبنانية مميزة على مدى سنوات عديدة، وتبلور هذا التميز خلال فترة الاستقلال مرورا بالحرب الاهلية اللبنانية التي امتدت لـ١٥ سنة حتى يومنا هذا. تتشابه الأجواء السياسية اليوم بتلك الموجودة في أوروبا خلال العصور الوسطى، صحيح اننا في العام ٢٠٢٢، ومفهوم الديموقراطية انتشر في جميع دول العالم التي اعتمدتها باستثناء البعض وفقا لنظام الحكم السائد فيها، الا ان توارث الاقطاع السياسي لا يزال موجودا ويشكل جزءا مهما في السياسة اللبنانية ومعاييره تنقسم لعدة جوانب في لبنان، خاصة ان هناك ورثة سياسيين ينتمون للجيل الثالث والرابع للعائلة السياسية، فتكون عريقة وضليعة بالعمل السياسي منذ زمن، منها العديد من العائلات الذين حصلوا على القاب وبقيت ملتصقة بهم مهما ابتعدوا عن السياسة، والتوريث السياسي يمكن توصيفه بالتحضير واعداد الأرضية وتجهيزها للوريث المنتظر لزعامة المنطقة او الطائفة او الحزب.

منذ ما قبل الاستقلال وهذه العائلات لها حضور وازن وبرزت أكثر بعده، خاصة بعد ان تولت العائلات الاقطاعية وذوو الألقاب الحكم ودخول المعترك السياسي، مثل آل أرسلان وآل الخازن وآل فرنجية وآل الصلح وآل الأسعد وآل سكاف وآل الجميل وغيرهم من العائلات التي تتزعم مناطق على مختلف الأراضي اللبنانية.

ويمكن تشبيه الانتخابات البرلمانية وتسمية الوزراء في الحكومات المتعاقبة بالطرقات المعبدة لتصدير الوريث للواجهة السياسية.

وفي الأيام الماضية ضج اسم مجيد طلال أرسلان وتناول البعض خبر توزيره في الحكومة المنتظرة، وهو ما نفاه الحزب الديموقراطي اللبناني، لكن تولي مجيد الابن الزعامة مكان والده ليس امرا مستبعدا، وهو يوم موعود، كما فعل من قبله آل الجميل وجنبلاط وفرنجية خاصة منذ الانتخابات النيابية عام ٢٠١٨.

آل الصلح

هناك الكثير من العائلات السنية التي تتوارث الزعامة من رئاسة الوزراء والوزارات والنيابة، وفي مختلف المناطق اللبنانية من بيروت الى طرابلس وصيدا وأبرزها آل الصلح، التي تمتد زعامتها لما قبل الاستقلال والانتداب الفرنسي، واشتهرت أكثر مع رياض الصلح وهو من أهم رجالات الاستقلال بعد ان تولى رئاسة أول حكومة بعد الاستقلال وتمتد زعامة هذه العائلة لأكثر من ١٠٠ سنة.

آل الجميل

كان آل الجميل من العائلات الاقطاعية فبل دخول العثمانيين الى لبنان، وعارضوهم وايدوا من وقف ضدهم وهرب بعضهم من العثمانيين الى مصر قبيل الحرب العالمية الأولى ثم عادوا بعد فرض الانتداب الفرنسي على لبنان، تبلورت زعامتهم السياسية مع تأسيس حزب الكتائب في ظل بيار الجميل والد بشير وامين اللذين انتخبا لرئاسة الجمهورية تواليا.

ورث أمين الجميل حزب الكتائب عن والده بيار الجميل، ثم ورث نجله بيار العمل السياسي وانتخب نائبا ووزيرا حتى تم اغتياله، وتسلم ابنه سامي المقعد النيابي ورئاسة حزب الكتائب عنه، والامر عينه لنديم ابن عمه بشير الذي انتخب نائبا أيضا ولا يزال. تجدر الإشارة ان لقب الشيخ الذين يلقبون به ليس دينيا، بل اجتماعيا ويقال للإقطاعيين.

آل سلام

اما آل سلام فلهم تاريخ طويل من العمل السياسي وتوارثوه على مدى أكثر من ١٠٠ عام، فمن عهد العثمانيين مرورا بالحكومة العربية التي أعلنها الأمير فيصل بن الحسين حتى الاستقلال وما تلاه من مجالس نيابية وحكومات، وأبرزهم صائب سلام وابنه تمام الذي انتخب نائبا مكان والده وعين وزيرا ثم شكل حكومة فيما بعد.

آل جنبلاط

تعود الزعامة الجنبلاطية لما قبل منتصف القرن التاسع عشر، لكن بعد الحرب العالمية الأولى وبعد هزيمة العثمانيين عين الفرنسيون فؤاد جنبلاط حاكماً على إقليم الشوف وبعد مقتله تولت زوجة فؤاد نظيرة جنبلاط مهام زوجها، وبعدها تمت مبايعة كمال ابنها بالزعامة عام ١٩٤٣، لكن في ١٦ آذار ١٩٧٧ اغتيل جنبلاط عند مدخل بلدة دير دوريت في الشوف مع مرافقيه وخلفه ابنه وليد الذي خاض النيابة والوزارة الى جانبها كما والده، والذي بدوره سلم ابنه تيمور الراية بعد ان حضّره سياسيا لذلك، ويلقبون بالبيك.

آل أرسلان

تعود الزعامة السياسية في العائلة للأمير مجيد توفيق أرسلان أحد أبرز رجالات الاستقلال، كان نائبا ووزيرا، وتوفي عام ١٩٨٣، وورث ابنه الأمير طلال أرسلان زعامة حزبه والنيابة وعين وزيرا أيضا، والآن يحضّر ابنه مجيد كي يخلفه كغيره من العائلات السياسية والاقطاعية.

آل فرنجية

زعامة آل فرنجية تعود إلى الرئيس السابق للجمهورية سليمان فرنجية، انتخب نائبا عام ١٩٦٠ وتولى عدة وزارات قبل انتخابه رئيسا للجمهورية اللبنانية، اليوم يعد الوزير والنائب السابق سليمان طوني سليمان فرنجية حفيد الرئيس فرنجية مرشحا لرئاسة الجمهورية، بعد ان سلم ابنه كرسي النيابة.

آل كرامي

تعود زعامة آل كرامي لما قبل دخولهم السياسة، فعبد الحميد كرامي المفتي والزعيم الوطني فيما بعد، اعتقله الفرنسيون خلال عهد الاستقلال، ليشكل أيضا حكومة لبنان، وهو والد رئيسي الوزراء رشيد (تولى رئاسة الوزراء ٨ مرات) وعمر كرامي(مرتين) فضلا عن النيابة ثم فيصل كرامي الذي انتخب نائبا وقد شغل منصب وزير قبل ذلك.

آل شمعون

على الرغم من تراجع دور الوطنيين الأحرار في السنوات الماضية الا ان تاريخهم السياسي كبير وتوارثوه وكذلك الحزب، من الرئيس كميل شمعون مرورًا بداني ودوري الى النائب الحالي كميل شمعون.

هناك أيضا آل الاسعد الذين توارثوا العمل السياسي من احمد بك الاسعد الى الحفيد احمد الاسعد مرورا برئيس مجلس النواب كامل الاسعد، وآل سكاف، الذين عاصروا العثمانيين والانتداب والاستقلال مرورا بالحرب الاهلية من جوزف وابنه ايلي الذي سلم رايته لزوجته ميريام ابنة النائب السابق جبران طوق.

الى جانب هذه العيل التي تمتهن السياسة وتتوارثها ان كانت اقطاعية ام لا، فهناك من أورث أبناءه السياسة من دون خلق او تشكيل بيت وراثي سياسي، مثل بيار فرعون وابنه ميشال وجبران تويني وابنته نائلة، والرئيس سعد الحريري الذي تصدر المشهد السياسي بعد اغتيال والده الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وهو اليوم يعلق عمله السياسي بشكل موقت. وهناك من لم ينجب وريثا، فكان انتقال السلطة الى زوج ابنته كحالة ميشال عون وصهره جبران باسيل.

ان معظم الأحزاب التقليدية التي امتهنت السياسة وتوارثها أبناؤها، كانت لاعبا أساسيا في الحرب الأهلية التي شهدها لبنان وخلفت الكثير من القتلى والجرحى والمخطوفين الى يومنا هذا.

واليوم يشكل التوريث السياسي العامود الفقري للنظام اللبناني، انطلاقا من التعصب الطائفي والمذهبي والمناطقي والعائلي، ويعتبر استمرارية لحكم العائلات الإقطاعية، لذلك أصبح التوريث السياسي تقليدا متبعا وأمرا طبيعيا، فالشعب اللبناني تقبل هذه الحالة ومضى بها وبايع العائلات التي توارثت السياسة منذ أكثر من جيلين.

شارك المقال