بين 13 و31 تشرين: البداية والنهاية!

عاصم عبد الرحمن

في 13 تشرين الأول 1990 أحكمت القوات السورية سيطرتها على قصر بعبدا وغادر آنذاك رئيس الحكومة العسكرية العماد ميشال عون إلى السفارة الفرنسية. دخل الجيش السوري إلى منطقتي بعبدا والمتن فارضاً وصاية على لبنان استمرت حتى العام 2005 يومها خرج على أثر اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وإذا كانت الحالة العونية قد بلغت أوجها في 13 تشرين الأول 1990 فهل تنتهي حكايتها في 31 تشرين الأول 2022؟

الجيل هو مرحلة التعاقب الطبيعية من أب إلى ابن، ويعرّف تقليدياً بأنه متوسط الفترة الزمنية بين ولادة الآباء وولادة أبنائهم، ويقدر عمر الجيل بـ 33 عاماً. هنا تبرز المفارقة، إذ إن الحالة الشعبية والوطنية التي كوَّنها الجنرال ميشال عون بلغت مداها في 13 تشرين الأول 1990 يوم قصفت القوات السورية برضىً وإيعازٍ أميركي القصر الجمهوري حيث كان يرفض العماد مغادرته، هرب مع عائلته متجهاً نحو السفارة الفرنسية التي أقام فيها حوالي 6 أشهر قبل انتقاله إلى المنفى الباريسي مدة 15عاماً كما أرادت سوريا ليعود إلى لبنان على أثر اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري الذي وحدت دماؤه الشعب اللبناني تحت راية الحرية والسيادة والاستقلال.

وعلى الرغم من توجيه الجنرال الهارب ميشال عون نداءً إلى الضباط والجنود عبر “إذاعة لبنان” للإلتحاق بقوات قائد الجيش العماد إميل لحود، إلا أن هناك ضباطاً وجنوداً لم يصلهم سوى نداء الوفاء لمن تركهم منتشرين خلف أكياس رمل المصالح الهوجاء التي أعمت أعين الجنرال، فاستشهد نحو 115 ضابطاً وجندياً على أيدي قوات النظام السوري بدم بارد، ناهيك عن فقدان حوالي 660 لبنانياً بين مدني وعسكري في غيابت السجون السورية ينكر نظام بشار الأسد وجودهم في مقابر سجونه حتى اليوم.

يعتبر خصوم الجنرال ميشال عون أنه بسقوطه سقط النظام السياسي الرئاسي فوق ركام مناطق مسيحية صمدت من أجل قضية وهمية ليتبين لاحقاً أنها مجرد حلم عوني يتطلع إلى تسلق السلطة ولو على حساب المسيحيين برمتهم، أما الموالون فحاولوا الصمود طوال 15 عاماً لأن الجنرال ظل يخاطبهم ويدغدغ مشاعرهم التحررية فكان 7 آب يوم المواجهة الكبير مع الوصاية السورية رفقة “القوات اللبنانية” على الرغم من العداء الذي تفجر في حربَيْ الالغاء والتحرير.

شارك ميشال عون في صناعة القرار 1559 الذي ينص على خروج الجيش السوري من لبنان ونزع سلاح “حزب الله”، ولكنه عندما عاد إلى لبنان، نسيَ الأوفياء الـ 115، صافح رئيس النظام السوري بشار الأسد ولم يكلف نفسه عناء السؤال عن الـ 660، مزق صفحات القرار 1559 ودخل قصر بعبدا من بوابة “حزب الله” الذي لم يعد ميليشيا مسلحة خارجة على القانون وَجَبَ نزع سلاحها كما خاطب العالم من على منبر الأمم المتحدة يوماً. دخل السلطة وأسقط شعار التغيير والإصلاح على وقع إلغاء رفاق السلاح والنضال العوني – التحريري ليحل مكانهم باسيليون يؤمِّنون بقاء جبران باسيل على رأس سلطة “التيار الوطني الحر” حاكماً مقرراً للجمهورية القوية التي رفع لها شعار “لبنان القوي”.

لبنان في العهد العوني لم يبقَ منه ما يشبه لبنان، انهار مستشفى العرب ووجهتهم التربوية، تلوث مطعم العرب ومقصدهم السياحي، تزعزع ميدان حريتهم وواحتهم الثقافية، بقي ما يشبه الدولة تحكمها جماعة مسلحة لا تؤمن بالقانون والمؤسسات، حتى دستور المناصفة بين المسلمين والمسيحيين تحدق به مخاطر طموحات التوريث السياسي المستحيل.

ولا شك في أن الحالة العونية بدأت مساراً منحدراً بصورة قوية منذ دخول ميشال عون قصر بعبدا رئيساً للجمهورية مساوماً على سنوات النضال ومبادئه ورفاقه ودماء شهدائه من أجل تحقيق حلم التربع على عرش السلطة، فغادر رفاق سلاح وأصدقاء سياسة تحت شعارات تصحيح الحركة من هنا والحرس القديم من هناك، بقي القليل يحلم بعودة الحالة العونية التي ترسخت في 13 تشرين الأول 1990 بعد 31 تشرين الأول 2022 لعل الجلوس خارج السلطة يهدئ البال السياسي فتشتعل جذوة الثورة ويعلو الصراخ مجدداً بالحرية والسيادة والاستقلال.

جيلٌ عوني كسائر الأجيال المتعارف عليها قد لا يتخطى الـ 33 عاماً وهو حالة سياسية – شعبية كانت بدايتها في 13 تشرين الأول 1990 نمت وتجذرت مذاك التاريخ لما رفعته من شعارات نضالية وتحررية ضد الوصاية والدويلة، فهل تكون نهايتها في 31 تشرين الأول 2022 تاريخ مغادرة الجنرال قصر بعبدا رفقة مَنْ تبقَّى من مؤيدين واهمين كأحزاب “القومي” و”الشيوعي” و”البعث”؟

شارك المقال