بين القمع والرضوخ… النظام الايراني في ورطة

حسين زياد منصور

لا تزال الانتفاضة الشعبية في إيران مستمرة، بعد أن امتدت الى جميع أنحاء البلاد، حيث أغلق المحتجون بعض الطرقات في طهران وأشعلوا النيران في حاويات القمامة بعدما صدتهم قوات الشرطة واشتبكت معهم، وهاجموا مركزاً للشرطة ومقراً تابعاً لقوات التعبئة المعروفة بـ “الباسيج” شمال غربي البلاد. وتوسعت دائرة الاحتجاجات حتى اخترق بث قناتين تابعتين لهيئة الاذاعة والتلفزيون الايرانية وعرضت صور بعض النساء اللواتي لقين حتفهن في الاحتجاجات. الى جانب ذلك، انضم عمال كنغان للبتروكيماويات الى الانتفاضة عبر إضراب ما لا يقل عن ١٠٠٠ عامل في بوشهر ودماوند وهنغام في عسلوية، جنوبي إيران. هذه التظاهرات دفعت بالقيادة السياسية في البلاد الى عقد “اجتماع أزمة” كانت نتيجته دعوة المشاركين في الاجتماع الى الوقوف في وجه المؤامرات المعادية والحفاظ على الوحدة الوطنية.

وفي ظل مجتمع غارق بالبطالة والتمييز والفقر والظلم، تعد الاحتجاجات هذه المرة أكثر سرعة في الانتشار والتطور والتوسع، وتلعب النساء فيها دوراً أساسياً الى جانب فئة الشباب وطلاب الجامعات والمدارس، بحيث أدت إلى توحيد مختلف الفئات الاجتماعية في البلاد، على عكس احتجاجات السنوات الماضية، التي كانت أسبابها تارة للاعتراض على شرعية الانتخابات، وتارة أخرى لأسباب اقتصادية واجتماعية، فهي هذه المرة تتعلق بحقوق تخص كل الايرانيين.

“هذه الاحتجاجات مختلفة ومتصلة، أي أنها نتيجة تراكمات، فقد بدأت بصورة أساسية وجوهرية مع ما سمي بالثورة الخضراء في العام ٢٠٠٩، وشهدت إيران أكثر من انتفاضة خلال الأعوام التالية بين ٢٠١٤و٢٠٢٠، وفي كل مرة كان يعكس المشهد حالة الاحتجاج، تارة اقتصادية وتارة لها علاقة بالحريات والانتخابات”، بحسب الصحافي علي الأمين الذي يقول: “مؤخراً بعد مقتل مهسا اميني تصاعدت الاحتجاجات واعترضت على قانون أساس لدى النظام الايراني ألا وهو الحجاب، والتصويب عليه يدل على توجيه المنتقدين السهام الى قلب النظام لا الى أطرافه أي أن هذه القضية هي الورقة الأخيرة التي يحتمي بها هذا النظام، فهذه الاحتجاجات ضمت كل القوميات وشاهدنا نوعاً من التوحد في ما بينها على كل الأراضي الايرانية”.

ويضيف الأمين: “بتقديري لم يستخدم النظام في إيران كامل قوته في قمع الانتفاضة، فهو يحاول من خلال المواجهات التي نشهدها ألا يذهب بعيداً في القمع لأنها قد تؤدي الى نتيجة عكسية أي من لم ينتفض بعد سيؤدي القمع الى انتفاضته، وبالتالي فإن النظام سيتعرض للتعري خصوصاً أنه قدم نفسه كثورة ويمثل الشعب ولا يريد أن يكون في موقع وكأنه يقمعه بصورة واضحة وصريحة، لذلك هو يتفادى هذا التصادم الكبير لكنه في الوقت نفسه يساعد في توسع الاحتجاجات”.

على سبيل المثال في لبنان، كما يشرح الأمين، “نقول ان المنظومة الموجودة لا تريد التغيير، لأنها تدرك أن أي تغيير حقيقي وجدي في تعزيز الحريات وسلطة القانون سيؤدي بشكل أو بآخر الى إضعافها، والأمر نفسه هناك، فالنظام قد ينجح في قمع الانتفاضة، لكن مشكلته أنه غير قادر على إحداث تغيير، فالسؤال كيف سيتعاملون اليوم مع مسألة الحجاب؟ هل سيعملون على الغاء الزامية الحجاب أو سيتمسكون بها؟ بالتالي خياراته صعبة، ومن طبيعته صعوبة تقديم تنازلات للمنتفضين”.

طالما أن النظام الأيراني لا يملك ما يقدمه من اصلاحات وتغييرات في ظل قمع كامل للانتفاضة فسنكون أمام مرحلة وانتفاضة جديدة، وخلال السنوات الـ ١٢ الأخيرة، أراد الشعب الايراني إحداث تغيير في نظامه الذي أصبح من الصعب استمراريته إن لم يحدث أي تغيير حقيقي وهو من الصعب القيام به أيضاً، كما يشير الأمين، مؤكداً أن “مسار الامور متجه الى مزيد من التصادم والانتفاضات المتتالية في حال قمع الانتفاضة الحالية، والذي سيولد المزيد من العدائية بين السلطات والشعب، وخصوصاً أن مستوى الشعارات المرفوعة تصاعد وتطور من انتفاضة الحجاب الى شعارات ضد النظام والديكتاتور، وهذا المسار قد يحدث نتيجة، فالكرة في ملعب النظام الايراني وذكائه وتسليمه بفكرة إحداث تغيير”.

ويلفت الأمين الى أن “هناك تيارات مختلفة تتصارع في ما بينها ضمن النظام، وتفاقم الصراع أكثر فأكثر خلال هذه الفترة، بين من يريد أن يتعامل مع هذه الانتفاضة بلين أو من يريد الذهاب الى القمع والتمسك بالايدولوجية القائمة اليوم في إيران، لذلك فهي على مفترق طرق في نهاية الأمر، فقد تنجح في القمع لكن التحدي لا يزال قائماً ومن الصعب مواجهته الا بإحداث تغيير حقيقي في النظام”، متسائلاً: “هل النظام الحاكم مستعد لأن يستجيب لمطالب الشعب أم سيتمسك بايدولوجيته وسياسته التي أدت الى حصول مثل هذه الانتفاضة وانتفاضات أخرى؟”.

وكان عدد من المحللين أشار الى أهمية ما يجري في إيران لاسيما أن المحتجين ليسوا من الطبقة الوسطى وحسب، بل يشكل الشباب في التحركات العصب، خصوصاً أنهم حرموا من حرية اختيار أسلوب حياتهم والعثور على وظيفة مناسبة والعيش في ظروف اقتصادية مواتية، في ظل التضخم والقمع الاجتماعي وانعدام المساواة بين الجنسين، لذا يعبّرون من خلال هذه التحركات عن احتجاجهم ضد النظام.

شارك المقال