“التعويم”… بعد الترسيم؟

ياسين شبلي
ياسين شبلي

وأخيراً خرج الدخان الأبيض، وأُعلن الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وأعلن كل طرف من أطراف التفاوض إنتصاره وأنه حصل على حقوقه كاملة، وكفى الله المواطنين – خصوصاً في لبنان – شر الجدال.

لسنا هنا في وارد المزايدة، فالبلد وصل – أو أوصلوه – إلى مرحلة من الغرق بات ينظر فيها إلى أي قشة عائمة على أنها خشبة خلاص، وإلى أي بصيص نور ولو من بعيد على أنه فرصة للإنقاذ بغض النظر عن الوقائع والحقائق الموضوعية. وبما أن الحكم الصحيح على الأمور عادة ما يكون بالنسبية، فيمكن القول إن الترسيم يُعتبَر “إنتصاراً” نسبة لما آل إليه الوضع اللبناني من إنهيار، ولكنه وفق المعايير الطبيعية لا يمكن أن يكون في أحسن الأحوال سوى “أفضل الممكن” بالنسبة الى البلد والناس، خصوصاً في ظل هذه “العصابة الحاكمة” التي يمكن أن يكون هذا الاتفاق إنتصاراً لها وحدها في الحقيقة، وهي من أوصل الوضع في البلد إلى هذا الانهيار جراء فسادها الذي تخطى كل حدود المعقول ولاسيما في هذا العهد، ما استوجب فرض عقوبات على بعض أركانها نتيجة الفجور والوقاحة منقطعة النظير في مصادرة المال العام وإستغلاله لمصالح سياسية في فساد مالي – سياسي مزدوج، جعلها تضيِّع سنوات من عمر البلد هدراً من دون تفاوض أو متابعة لهذا الملف، بسبب تلهيها بالحرتقات السياسية الداخلية منذ العام 2006 أيام حكومة الرئيس فؤاد السنيورة التي كانت “حكومة المقاومة السياسية”، ومن ثم بقدرة قادر تحولت إلى “حكومة فيلتمان”، والتي بدأت التفاوض مع حكومة قبرص لترسيم الحدود البحرية، وبعدها غرق لبنان بخلافاته الداخلية بينما إستمرت كل من قبرص وإسرائيل في التفاوض حتى توقيع إتفاقية بينهما جاءت مجحفة بحق لبنان بسبب غيابه عن المفاوضات التي كان يجب أن تكون ثلاثية، وكذلك غياب المتابعة اللبنانية للموضوع أصلاً حتى العام 2011 أيام حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، حينما بدأت مفاوضات الاطار التي بدأها الرئيس نبيه بري في ظاهرة عجيبة عندما يتولى رئيس السلطة التشريعية في البلد المفاوضات بدل الحكومة. وبينما تقدمت قبرص وإسرائيل كثيراً خلال هذه السنوات في سعيهما الى التنقيب وإستخراج الغاز لا يزال لبنان في نقطة البداية. هذا السلوك اللامسؤول للمنظومة السياسية اللبنانية الذي دمَّر كل مقومات البلد ومؤسساته وأفقر شعبه، قد يكون جعلها عُرضة للابتزاز والمساومة على مصيرها، وهذا ما دفع بها كما يبدو إلى التساهل والتراخي في المفاوضات عبر عدم التشدد في المطالبة بالخط 29، وكذلك الدخول في تسوية غير واضحة المعالم مع شركة “توتال” حول عائدات حقل قانا – إن وجدت – و”حصة” الكيان الصهيوني منها، ولهذا يحاولون إقناعنا بأن شركة “توتال” هي من سيتولى التعويض على إسرائيل، وكأني بهذه الشركة العملاقة تحولت فجأة إلى فرع لمؤسسة “كاريتاس” توزع التعويضات على الدول المتضررة نيابة عن دول أخرى وهو ما لا يمكن تصديقه بأي حال من الأحوال.

إن معرفتنا بطبيعة “العصابة الحاكمة” عندنا يجعلنا نشك في كل خطوة تخطوها في أي مجال من المجالات، فما فعلته بالبلد والناس جعلنا نقتنع بأن لا ضوابط لديها تمنعها من فعل أي شيء في سبيل مصلحتها في البقاء جاثمة على صدور اللبنانيين، من هنا قد تكون ترى في هذا الاتفاق نوعاً من التعويم لها لاعادة تأهيلها بموافقة غربية وبهذا تكون فعلاً قد أحرزت “إنتصاراً” كبيراً في هذا المجال، ولكنه إنتصار على الشعب اللبناني وحده. ويحضرني في هذا المجال عنوان مقال للشهيد سمير قصير كان قد كتبه رداً على ممارسات النظام الأمني اللبناني – السوري القمعية “عسكر على مين؟”، نستحضره اليوم لنسأل في ظل الحديث عن إنتصار الترسيم، ترى هو إنتصار لمين؟ وعلى مين؟ من دون أن ننسى أن للإنتصار دائماً أكثر من أب، وهم هنا آباء المنظومة وزعماؤها، بينما الهزيمة لها “ضحية” واحدة وهي هنا الشعب اللبناني بغالبية فئاته.

شارك المقال