الحرب الأوكرانية: ماذا وراء صمت تكنوقراط روسيا؟

حسناء بو حرفوش

لماذا يحتفظ تكنوقراط روسيا بصمتهم حيال ما يحصل في أوكرانيا؟ وفقاً لمقال رأي في موقع مركز “كارنيغي” الالكتروني، تتجنب الشخصيات الكبرى ضمن الادارات الروسية الخلط بين الكفاءة في العمل والمواقف السياسية، ولذلك لم تسمع أصوات التكنوقراط المنشغلين بإدارة الاقتصاد الروسي وهم ينددون بقرارات الرئيس فلاديمير بوتين.

وحسب المقال، “عمّ الصمت في صفوف تكنوقراط روسيا وامتنع وزير المالية السابق أليكسي كودرين وسواه من جميع التكنوقراطيين الآخرين غير السياسيين عن توجيه انتقادات علنية، وعكفوا على توجيه الاقتصاد الروسي. وبقي النظام المالي الروسي مستقراً نسبياً، نتيجة لجهودهم، على الرغم من العقوبات المتزايدة، بينما انخفض ​​الناتج المحلي الاجمالي للبلاد تدريجياً بدلاً من الانهيار المتوقع في البداية.

ويشكل المحترفون الشباب في الادارات الرئاسية والهيئات الحكومية والوزارات النخبة الجديدة في البلاد، وهم يجيدون اللغات الأجنبية وعلى دراية جيدة بأساليب الادارة الحديثة، كما أن الغالبية العظمى منهم تستمر في أداء وظائفها، بعد أن قبلت القواعد الجديدة للعبة. ومع ذلك، فشلت المساعي لتقديم أفضل الممارسات الادارية في روسيا في حل المشكلة الرئيسة لادارة الدولة الروسية: عدم وجود نظام شفاف لصياغة مؤشرات الأداء وتقويمها، بحيث يبقى المعيار الرئيس للنجاح، شهادة بوتين نفسه، أو شخص آخر في مجال السلطة.

ويتعلم التكنوقراط الشباب هذه المعايير غير الرسمية من زملائهم الأكبر سناً، وفي هذه المرحلة يصبحون غرباء عن جميع الفئات الاجتماعية الأخرى. هذه هي اللحظة الأساسية في تشكيل هويتهم، بحيث تتشكل ثقافة فرعية تتضمن نظرة أكثر استرخاءً الى المعايير الأخلاقية. وتتكون المهنة الأخلاقية للتكنوقراط من مراحل عدة: الأولى، عدم الابتعاد عن هذه الممارسات غير الرسمية، وبدلاً من ذلك، ترشيدها بعد اكتساب الخبرة. أما المرحلة التالية فتقضي بالمشاركة فعلياً في هذه الممارسات غير الرسمية، جزئياً على الأقل، مع اعتبار ذلك مناسباً في زمان ومكان محددين بدقة. خلال هذه الفترة، لا تعود المعتقدات الأخلاقية المقبولة عموماً قابلة للتطبيق على العمل. أما في المرحلة الثالثة، فتتجذر طريقة التفكير هذه على أنها الطريقة الصحيحة.

ويربط التكنوقراط العمل بالبقاء والصمود في روسيا. ويعتقد بعض موظفي الخدمة المدنية أنه من خلال الاستمرار في مناصبهم، يمكنهم على الأقل التأكد من أن الحياة لن تزداد سوءاً بالنسبة الى الروس، على الرغم من ذلك يعتبرون أنهم لا يمتلكون القدرة على إحداث أي تغيير. يقول أحدهم: بطبيعة الحال، لا أؤثر على أي شيء كثيراً، لكنني قريب من الحدث، وربما أجدني في يوم من الأيام في المكان المناسب وفي الوقت المناسب لإحداث فرق.

ولم يؤيد أي من الأشخاص الذين تحدث إليهم محلل المقال غزو أوكرانيا، ولكن لم يكن أي منهم مستعداً للإعلان علناً عن معارضته. يسأل أحدهم: لن يغير ذلك أي شيء ولن يساعد أي شخص. كما أني سأواجه الخوف: ماذا لو وضعوني في السجن؟.

وأظهر اجتماع مجلس الأمن الروسي في 21 شباط، قبل أيام قليلة من الغزو، كيف تغير نظام صنع القرار في روسيا، من نموذج تشاوري جماعي يعتبر فيه رأي حاشية الرئيس مهماً، وأحياناً نهائياً، لموقف تتخذ فيه جميع القرارات من شخص واحد فقط: الرئيس. أما بالنسبة الى التكنوقراط فما عاد معيار توظيفهم هو الاحتراف وإنما الولاء. أما المشكلة فتكمن في استحالة الفعالية في ظل الخراب الأخلاقي والمؤسسي الذي خلفته الحرب، وهذا يعني أن أي نجاح لن يكون إلا قصير الأجل”.

شارك المقال