“تشاؤل” حكومي… وشغور رئاسي حتمي

صلاح تقي الدين

مع دخول البلاد في الأسبوع الأخير من العهد غير المأسوف على رحيله، لا تزال المعطيات المتعلقة بالحكومة “ضبابية” إذ لم يبرز إلى العلن لغاية الساعة الضوء الأخضر المسهّل لتشكيلها، في وقت تشدّد مصادر معنية على أن المفاجآت واردة في أي لحظة وبالتالي قد تدخل الحكومة في مخاضها الأخير قبل ولادتها، مشيراً إلى هذا الوضع بأنه “تشاؤل” أي تفاؤل بمعرض التشاؤم.

أما على الجبهة الرئاسية، فالمؤكّد أن البلاد سائرة باتجاه شغور رئاسي حتمي، إذ أن الجلسات النيابية التي دعا إليها الرئيس نبيه بري، لا تزال لغاية اليوم بعيدة عن إمكان الوصول إلى توافق ينتج عنه رئيس جديد خصوصاً وأن أصحاب الأوراق البيض معطوفين على “الخزعبلات” التغييرية، يجعلون من عملية انتخاب رئيس ضمن المهلة الدستورية أشبه بضرب من المستحيل.

بالعودة إلى الوضع الحكومي، فعلى الرغم من الجولات المكوكية التي يقوم بها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم بين القصور الرئاسية الثلاث، إلى جانب الزيارات الضرورية إلى “كليمنصو” و”ميرنا الشالوحي” وغيرها من المقار السياسية الفاعلة، لم يتمكن الخبير في “فك” العقد المستعصية من إقناع فريق الرئيس عون و”التيار الوطني الحر” بضرورة التنازل عن بعض المطالب التي يضعونها أمام الرئيس المكلف نجيب ميقاتي، مقابل الحصول على تنازلات من الأخير، للخروج بتوليفة حكومية قادرة على ملء الشغور الرئاسي متى حصل من دون أي “فوضى” دستورية قد تحصل فور تسلّم حكومة تصريف الأعمال صلاحيات الرئاسة وكالة.

ومقابل المطالب التعجيزية التي يضعها رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل ويرى أنها السبيل الوحيد للحصول على توقيع الرئيس عون على مراسيم الحكومة الميقاتية، لا بد من الاشارة إلى أن الموقف الصلب الذي يبديه الرئيس ميقاتي، لا يسهّل هو الآخر من مهمة اللواء إبراهيم، المدعوم بضغط جدي يمارسه “حزب الله” على الفريقين من أجل تسهيل ولادة الحكومة العتيدة.

وبعدما كانت شروط باسيل الأساسية تتمحور حول مطلب توسيع الحكومة بإضافة ست وزراء دولة من السياسيين إليها، يسمّي الرئيس عون الوزراء المسيحيين الثلاثة منهم إلى جانب الوزير الدرزي، تراجع عن هذا المطلب أولاً لعدم منطقيته، وثانياً بسبب الرفض الكلي الذي عبّر عنه ميقاتي الذي يرى أن حكومته الحالية غير منضبطة وهي من 24 وزيراً تقنياً، فكيف الحال عندما تصبح من 30 وزيراً بينهم ستة سياسيين؟

لكن تراجع باسيل عن هذا المطلب، قابله مطلب آخر بعدما نمي إليه أن ميقاتي يرغب في استبدال الوزير الدرزي عصام شرف الدين بوزير لا يشكّل استفزازاً لرئيس الحزب “التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، والوزير السني أمين سلام بوزير من منطقة عكار، فذهب إلى اقتراح أن يستبدل جميع الوزراء المسيحيين المحسوبين على الرئيس عون وعليه شخصياً إضافة إلى الوزير سلام الذي يعتبره من حصة عون والوزير شرف الدين المحسوب على النائب السابق طلال أرسلان ويعتبره عون من حصته.

جاء الجواب الجنبلاطي حاسماً لجهة احترام الميثاقية الدرزية التي أًصبح يمثّلها بصورة منفردة، وقد أبلغه إلى اللواء ابراهيم خلال استضافته إلى مائدته في بحر الأسبوع المنصرم، كما لم يقل ميقاتي حسماً حين سرّب معلومات صحافية بأن مبدأ تغيير الوزراء يجب أن لا يتجاوز اثنين إلى ثلاثة وزراء كحدّ أقصى، ما أعاد المفاوضات غير المباشرة إلى المربع الأول.

ولم يكتف باسيل بابلاغ شروطه إلى ميقاتي عبر ابراهيم، بل ذهب بعيداً في مواقفه الاعلامية المباشرة حين جدّد رفضه تسليم حكومة تصريف الأعمال صلاحيات الرئاسة وكالة في حال الشغور، وتشديده على الشراكة التي يجب على ميقاتي احترامها مع رئيس الجمهورية لكي تخرج التشكيلة الحكومية إلى النور.

عود على بدء، شروط باسيلية غير مقبولة ورفض ميقاتي اعطاء باسيل أي ورقة يستطيع أن يتحكّم من خلالها بالحكومة في فترة الشغور الرئاسي، ومع ذلك لا يفقد اللواء إبراهيم الأمل ويستمر في سعيه الدؤوب الى حل العقد، والفترة المتبقية أمامه لا تتجاوز الأسبوع الحالي.

أما في الملف الرئاسي، فالواضح أن فريق ما كان يسمّى 8 آذار، أو تحديداً ذلك الفريق الذي يديره بحنكة وقبضة حديدية “حزب الله” مستمر في عدم الاعلان عن مرشّحه الرئاسي، مستخدماً أسلوب الورقة البيضاء في الجلسة الأولى ثم تعطيل النصاب في الجلسة الثانية لمنع انتخاب رئيس لا يقف على “خاطره”.

وكان أحد مسؤولي الحزب في غاية الوضوح عندما أعلن صراحة أنه لن يصار إلى انتخاب رئيس لا “يحترم” المقاومة.

في المقابل، لم يتمكن فريق المعارضة المتمثل في أحزاب “الكتائب” و”القوات اللبنانية” والحزب “التقدمي الاشتراكي” إلى جانب بعض النواب الذين يدورون في فلك 14 آذار سابقاً، غير قادر على إقناع باقي النواب المعارضين لسياسات الحزب وحلفائه بضمهّم إلى حصته ودفعهم الى انتخاب المرشح النائب ميشال معوض، وهذا الفشل قد يصل في نهاية الأمر إلى تفكّك هذا الفريق والذهاب باتجاه إيجاد مرشّح تسوية لن يكون ضمناً معارضاً لـ “حزب الله” لكنه بالتأكيد لن يكون مرشّح تحدّ للحزب.

الجميع على ما يبدو بانتظار الكلمة الفصل التي ستأتي نتيجة الاتصالات والمشاورات الاقليمية والدولية التي لطالما تحكّمت باسم من سينتخب رئيساً للجمهورية، وعندها يصار إلى التوحّد خلف مرشّح واحد يكون اسمه بمثابة كلمة السر التي ستفرج عن مصير الجلسة الانتخابية.

شارك المقال