فلنكمل تطبيق اتفاق الطائف

محمد علي فرحات

كيف استطاع السياسيون اللبنانيون الاتفاق مع اسرائيل على حدود بحر جنوب لبنان، وإن برعاية أميركية، فيما نراهم يعجزون عن تشكيل حكومة جديدة تحل محل الحكومة المستقيلة التي تتولى تصريف الأعمال الروتينية وليست مخولة بقرارات أساسية تصدر عنها كسلطة تنفيذية، وكذلك هم يعجزون عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية يحل محل الجنرال ميشال عون الذي سيغادر قصر بعبدا آخر تشرين الأول أي بعد أيام قليلة جداً؟

هل يكون سياسيو لبنان ضعاف العقول حتى يستجيبوا لأوهام عصبياتهم ويتخيل كل منهم أنه مهيأ للانتصار على الآخرين؟ هؤلاء السياسيون لم يفقدوا عقولهم بعد، انما لم يجدوا راعياً أو رعاة من كبار الاقليم والعالم يتعهدون بانتقال الحكم في لبنان من رئيس الى آخر، وهم يأنسون الى انتظار سيطول لأن الرعاة مشغولون بشؤون أكبر، من حرب أوكرانيا الى مصير تايوان، الى الخلل الحاصل بين الولايات المتحدة وعدد من حلفائها الرئيسيين، والى تزعزع سلطة الحزب الديموقراطي في واشنطن والأثر السلبي لذلك على استقرار السلطة الأميركية، وبالتالي على احتفاظها بموقعها الفريد في قيادة العالم وحيدة لا شريك لها.

وفي الحالة اللبنانية ينبغي التأكيد على أخطاء وأوهام من يطلبون بديلاً لاتفاق الطائف بكلام معلن أو بآخر من تحت الطاولة، فهذا الاتفاق لا يزال يحظى برعاية كبار الاقليم والعالم وبرضى الغالبية الساحقة من الشعب اللبناني وممثليه السياسيين المفروضين أو المنتخبين بحرية وحماسة. والمطلوب بدل البحث العقيم عن اتفاق بديل أن يركز اللبنانيون ورعاتهم على تطبيق كامل لاتفاق لم يتحقق بسبب ضغط النظام السوري الذي كان يحكم الحكم في لبنان وانصياع معظم السياسيين لهذا الضغط.

والحال أن اتفاق الطائف قضى بتشكيل مجلس للشيوخ يمثل الطوائف اللبنانية ويرأسه على الأرجح سياسي من الطائفة الدرزية، في مقابل مجلس للنواب غير طائفي ينتخبه المواطنون اللبنانيون وفق دوائر لبنانية ثابتة، وليست متغيرة كما هي الحال لمصلحة هذا الزعيم أو ذاك ليتمثل بأكثر عدد ممكن من النواب الذين يشكلون كتلته الطائفية.

فليطبق اللبنانيون الطائف عبر الضغط على زعمائهم واحراجهم أمام الشعب اللبناني وأصدقاء لبنان في العالم. ولكن، يبدو أن استمرار الأزمة السياسية والمالية والاجتماعية في لبنان يعود الى جهات معتم عليها ومطلوب فضحها من العارفين اذا كانوا يعرفون حقاً، وليس اطلاق التهم الصغيرة والكبيرة التي تشبه صراعات وجهاء القرى على مقعد المختار أو رئيس البلدية. والحال أن ضعف لبنان يغري بازدياد مؤثرات غربية وشرقية في شعبه المنكوب، وهذا الضعف وصل الى عيش اللبنانيين في الرمق الأخير، بحيث أن المعجزة وحدها هي التي تمنع وصولهم الى تمام الموت. والحال أيضاً أن الطائفية في وجه من وجوهها هي شهوة الجماعات الى الموت، وهو لا يتحقق فعلياً لأن الطائفية في وجه آخر هي مجرد وهم، هي وهم قاتل، لكنها وهم وليست حقيقة أبداً.

يتقدم اللبنانيون ويتفاعلون في مستوى يبعث على الاعجاب، لكنهم ما يلبثون أن يتكسروا بفعل وهم الطائفة. ويكذب اللبنانيون على أنفسهم حين ينسبون صراعاتهم الى مجرد قوى خارجية ذات أطماع في الوطن الصغير. وليس السبب في مؤامرات مزعومة بقدر ما هو تراجع الممارسة الدينية الى مستوى الخرافة التي تتوالد يومياً بأشكال مختلفة يبتدعها أصحاب المصالح والضالعون في تطويع الجماهير واستغفالها.

الممارسة الدينية المعروفة عبر المكان والزمان بالهدوء والتأمل، نراها في صخب الصراخ الطائفي وقد خيمت على العقول والآذان والعيون، فلا يعرف الانسان الفرد نفسه، ويكاد يندمج في كيان وحشي يتألف من بشر خرجوا من انسانيتهم الى حيث لا يعلمون.

شارك المقال