آخر خيارات عون

عاصم عبد الرحمن

منذ دخول عهد الرئيس ميشال عون أشهره الأخيرة، تولى فريقه مهمة إشاعة أجواء عدم تسليمه موقع رئاسة الجمهورية لفراغ دستوري محتمل في إشارة إلى إطلاق بازار التفاوض على انتخاب جبران باسيل رئيساً للجمهورية، وإلا سيبقى قابعاً في زوايا رئاسة منتهية الصلاحية، لكنه سرعان ما التقط هو وفريقه إشارات دولية رافضة لأولى خياراته لما بعد الرحيل، فأي خيارات سياسية ودستورية يمكن للرئيس عون اللجوء إليها قبيل انتهاء ولايته في 30 تشرين الأول؟

على وقع تردد رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل في إطلاق إعلاناته الترويجية كمرشح لرئاسة الجمهورية لأسباب عدة أبرزها عدم تمكن “حزب الله” من تحمل ترشيحه لا بل تمرير هذا الترشح ضمن صفوف بيت 8 آذار خاصة الرئيس نبيه بري، ناهيك عن الرفض المطلق من قبل المرشح الرئاسي سليمان فرنجية الذي لن يتساهل هذه المرة مع تغطية الحزب لتكرار تجربة دعم الفريق العوني – الباسيلي.

ثمَّ يلجأ المرشح المتخفي حتى الساعة جبران باسيل إلى خيارات أخرى منها ما يتولى تنفيذها بنفسه وهي حرق أي مرشح آخر، فتارة يعلن عدم تبنيه ترشيح سليمان فرنجية وأن السيد حسن نصر الله لن يمون عليه في التوجه نحو هذا الخيار، وطوراً يعلن تمسكه بالدستور وعدم السير بتعديله لانتخاب العماد جوزف عون رئيساً للجمهورية، بالإضافة إلى نزعه الصفة التمثيلية الشعبية والوطنية والحزبية عن باقي المرشحين مهما علا شأنهم السياسي.

وهناك خيارات أخرى ينطق فيها بلسان رئيس الجمهورية، إذ يتولى فريقه الاستشاري مهمة إشاعة أجواء فوضى دستورية ستنشأ حتماً عن تولي حكومة تصريف الأعمال لصلاحيات رئيس الجمهورية، نازعاً الشرعية عن أي قرار تتخذه هذه الحكومة إبان الشغور الرئاسي المرتقب مهدداً بمقاطعة مَنْ تبقَّى من وزراء التيار لجلساتها.

وعن صلاحية تولي حكومة تصريف الأعمال صلاحيات الرئيس في حالة الشغور الرئاسي، يقول الخبير الدستوري الدكتور أنطوان صفير لـ”لبنان الكبير”: “الدستور واضح في موضوع الشغور الرئاسي والحكومة تتولى وكالةً صلاحيات رئيس الجمهورية حتى انتخاب رئيس جديد، المشترع لم يكن في باله أن يكون الشغور نتيجة عدم اكتمال النصاب وعدم حضور النواب، ولكن هذه واقعة حصلت مرات عدة في السابق وهي للأسف تتكرر، وفي هذه الحالة تتسلم الحكومة مهام الرئيس وكالةً، والحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال ولكنها لا تزال تمثل السلطة الإجرائية طالما لم تُشكل حكومة جديدة”. وهكذا يبدو واضحاً أن الدستور يسقط أحد خيارات عون التي يتذرع بها فريقه الاستشاري.

خيار آخر كان يتولى الفريق العوني – الباسيلي الترويج له على الرغم من إنكاره لهذا الخيار وهو لجوء الرئيس عون إلى توقيع مرسوم قبول استقالة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي التي استقالت إثر بدء ولاية المجلس النيابي المنتخب. وفي السياق عينه يقول صفير: “توقيع رئيس الجمهورية على مرسوم استقالة الحكومة هو لزوم ما لا يلزم على اعتبار أن الوضع هنا يتعلق بحكومة مستقيلة حكماً، وبالتالي قبول الاستقالة وعدم قبولها سيان فالحكومة هي حكومة تصريف أعمال مستقيلة بحكم النص ولكن لا يمكن أن ينتهي دور هذه الحكومة المستقيلة إلا بتشكيل حكومة جديدة وصدور مراسيم تشكيلها”. ضربة قاضية يوجهها الدستور مرة أخرى الى أحد خيارات عون في تطبيق شعار “أنا ومن بعدي الطوفان” ما لم يحقق مطلبه الوحيد في تزكية خيار جبران باسيل على رأس الجمهورية اللبنانية، وإلا فمحاولات ضرب الطائف ودستوره التشاركي – المناصفاتي الوطني ستستمر حتى اللحظات الأخيرة من العهد الرئاسي الأسوأ في تاريخ الجمهورية اللبنانية بحسب مراقبين.

لعل الخيار الوحيد والممكن أمام رئيس الجمهورية وولي عهده وفريقه الاستشاري هو الذهاب الهادئ إلى قصره الجديد في الرابية رفقة الحشود العونية المدعوة الى تشكيل سلسلة بشرية تصل باب قصر بعبدا بباب قصر الرابية شاهدين على طي صفحة جيل ميشال عون السياسي الذي ستغدو أقصى طموحاته الجلوس على يمين عهد جديد ضيفاً ثقيلاً ربما أو المضي قدماً نحو المعارضة بصورة دائمة. فهل من خيارات أخرى أمام الرئيس عون سوى الرحيل بهدوء؟

شارك المقال