ترسيم وهمي مع سوريا لزوم دفتر الانجازات!

ليندا مشلب
ليندا مشلب

فجأة ومن دون مقدمات رفع رئيس الجمهورية ميشال عون سماعة الهاتف وطلب الرئيس السوري بشار الأسد ليبلغه رغبته في وضع ملف ترسيم الحدود البحرية “بيننا وبينكم” على الطاولة استكمالاً لانجاز الترسيم الجنوبي. الرئيس السوري أبدى كل التعاون والاستعداد وذهب أبعد الى العموميات وخير البر عاجله، اذ قرر عون ايفاد وفد برئاسة مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الخارجية ونائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب يضم وزير الخارجية عبد الله بو حبيب ووزير الأشغال العامة والنقل علي حمية والمدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم وأعضاء من هيئة قطاع البترول الى دمشق، من دون تنسيق الموعد مع المسؤولين السوريين لعقد اجتماعات البحث في الملف، والهدف أن تسير الترسيمات الثلاثة مع الجهات التي تحد لبنان في منطقته الاقتصادية الخالصة مع بعضها أي اسرائيل، قبرص وسوريا ولو بتواقيت انطلاقات متفاوتة، ووضع حجر الأساس لاستثمار الثروة البحرية وما تحتويه من نفط وغاز في مساحة تزيد عن ضعفي مساحة لبنان. 

لكن ليس كل ما يتمناه الرئيس يدركه وخصوصاً اذا كانت أيام معدودة تفصله عن نهاية ولايته واستعجل البت بملفات حساسة تحتاج الى روية ومقاربات مختلفة وهذه كانت النتيجة، فالفرحة لم تتم وسرعان ما تلقى لبنان الصفعة الأولى بالاعتذار عن استقبال الوفد اللبناني بحجة الارتباط المسبق بالمواعيد، وتبين لاحقاً أن بو صعب هو الذي طلب من الخارجية اللبنانية التواصل مع الجانب السوري وتحديد يوم الأربعاء من دون أي تنسيق مع السوريين، واعتقد أنه سيلزم سوريا به طالما مظلة اتصال الرئيسين نصبت فوق البحر.

كان التقدير في البداية أن يوفد الأسد وزير الخارجية أو من ينتدبه من المسؤولين المعنيين الى الحدود اللبنانية – السورية ويحصل الاجتماع الأولي أو الشكلي عند نقطة المصنع من الجهة السورية، ويُتفق لاحقاً على آلية المتابعة لكن حتى قهوة أهلا وسهلا الحدودية لم تحصل وفهم لبنان الرسالة، علماً أن هناك خلافاً كبيراً في موضوع الترسيم بين لبنان وسوريا حتى لو كان البلدان شقيقين ولا يحتاجان الى وسيط، هذا لا يعني أنهما لا يختلفان على “الورتة” والأصعب أن جهة لن تجرؤ على التدخل بينهما! فمن قال ان هذا الترسيم أسهل من الترسيم الجنوبي؟ قد يحتاج الى مدة تتجاوز الـ١٢ عاماً التي استغرقها لبنان للتفاوض مع العدو ولن يكتب للعهد أن يشهد انطلاقته على الرغم من اصرار عون على فتح كل الملفات العالقة منذ سنوات قبل نهاية العهد، وبالتالي رُحّل الترسيم الى العهد الجديد وما أدراك من هو صاحبه؟ غير أن هذه المفاوضات التي يمكن أن تبدأ مع سوريا لا تحتاج الى وسيط والكلام سيكون بين المتفاوضين بالمباشر، وهنا يعود ويبرز دور اللواء ابراهيم الذي تولى مهمة التفاوض مع سوريا في أكثر من مشكلة، فهل يتسلم ملف الترسيم مع مفاوض تحدده الدولة السورية اذا ما اهتمت بالأمر ووضعته من ضمن أولوياتها؟ حتى أن تسليم الملف الى وزارة الأشغال المعنية وفق القوانين اللبنانية بترسيم الحدود للمياه الاقتصادية الخالصة مع الدول التي تحد لبنان، ومن موقع من على سدتها أي وزير “حزب الله” علي حمية، لن يسهل الأمر علماً أن الأخير وفي معلومات “لبنان الكبير” بدأ بتحضير الملف واستدعى كبار الخبراء في الوزارة ومن خارجها لاعداد تقارير مفصلة عن خط الترسيم البحري في المياه الاقتصادية الخالصة من الشمال الى الجنوب مروراً بالغرب، لتحديد خط البلوكات العشرة المنتشرة على امتداد المياه الاقليمية ووصل الخط الشمالي مع خط الترسيم الجنوبي.

جرح الترسيم بين لبنان وسوريا يعود الى العام ٢٠١١، وفي اضاءة سريعة على الحدود ووفق الخرائط والاحداثيات فإن نقطة التحديد بين المياه اللبنانيّة والمياه السوريّة تبدأ عند مصبّ النهر الكبير الجنوبيّ، ويمتدّ الخطّ الوسط ليلتقي مع الخطّ الفاصل بين المياه القبرصيّة ومياه كلّ من لبنان وسوريا.

ويسير الخطّ مشكلاً الخطّ الوسط والزاوية المتكوّنة من التقاء خطّ الاتّجاه العامّ للشاطئ السوريّ مع خطّ الاتّجاه العامّ للشاطئ اللبنانيّ، وصولاً إلى حدود المنطقة الاقتصاديّة الخالصة التابعة لقبرص، وبذلك ترسم الحدود بين المنطقة الاقتصاديّة الخالصة اللبنانية والمنطقة الاقتصاديّة الخالصة السوريّة.

أمّا البحران الاقليميّان لكلّ من البلدين، فيتأثران حكماً بالجزر الموجودة على الجانبين.

وقد عيّنت سوريا حدود مياهها بالقانون رقم 28 لسنة 2003، الذي عدّلته سنة 2018، وأخذت في الحسبان وجود جزيرة أرواد وفق الخطّ المائل نحو الجنوب المنطلق من نقطة الحدود الأساسيّة، ثمّ انعطافه غرباً.

في العام 2011 رسّم لبنان حدوده البحرية مع سوريا، مستنداً إلى القانون الدولي وقانون البحار، وأودع المرسوم الرئاسي لترسيم حدوده لدى الأمم المتحدة، لكن دمشق تعاملت معه وكأنه لا يعنيها، ورسمت خطها الخاص فانطلقت من الشاطئ أفقياً نحو الغرب. واعترضت في العام ذاته لدى مجلس الأمن، وسجل مندوبها الدائم لدى مجلس الأمن السفير بشار الجعفري اعتراض بلاده لدى الأمين العام للأمم المتحدة، معتبراً أن “المرسوم اللبناني لا أثر قانونياً له ملزم تجاه الدول الأخرى ويبقى مجرد إخطار تعترض عليه الجمهورية العربية السورية”. ونص كتاب الاعتراض السوري على أن حقوق سوريا محددة بالقانون رقم 28، تاريخ 19 تشرين الثاني/نوفمبر من العام 2003، المودَع لدى الأمم المتحدة والمتوافق مع قانون البحار لعام 1982.

وفي العام 2014 قدمت سوريا شكوى بحق لبنان إلى الأمم المتحدة، بعد أن فتحت الحكومة اللبنانية جولة التراخيص الأولى وعرضت البلوك رقم 1 للمزاد واستدراج العروض.

رد لبنان برسالة أرسلها وزير الخارجية آنذاك جبران باسيل في 22 نيسان/أبريل 2014 إلى السلطات السورية عبر سفارتها في لبنان، ذكّر فيها بالمرسوم رقم 6433 الصادر في العام 2011 والقاضي بترسيم الحدود البحرية والذي لم تعترض عليه سوريا. وأكد لبنان على حقوقه السيادية في المنطقة الاقتصادية الخالصة الشمالية التي حددها وفق القوانين الدولية، وسجل اعتراضه على الجانب السوري بسبب تداخل بلوكاته ضمناً.

وعندما وقعت سوريا عقداً مع شركة “كابيتال” الروسيّة للقيام بعملية مسح وتنقيب عن النفط، في العام ٢٠٢١، تبين أن الحدود البحرية التي حددتها الدولة السورية، وخصوصاً في البلوك رقم 1 متداخلة مع البلوك رقم 1 والبلوك رقم 2 من الجهة اللبنانيّة، أي ما يقارب 750 كيلومتراً مربعاً داخل الحدود اللبنانيّة، عندها جمد الملف (مساحة البلوك 1 اللبناني تبلغ 1928 كيلومتراً مربعاً، أما البلوك 2 فمساحته 1798 كيلومتراً مربعاً، فيما المساحة المتداخلة بين لبنان وسوريا تتراوح بين 750 و1000 كيلومتر مربع).

وكان الموفد الرئاسي الروسي إلى سوريا، ألكسندر لافرينتيف أعلن عام ٢٠١٩ أن بلاده يمكن أن تلعب دور الوسيط في مسألة ترسيم الحدود البحرية السورية اللبنانية وكان حينها وزير الدفاع اللبناني إلياس بو صعب.

وطلبت روسيا من سوريا الاتصال بلبنان من أجل إجراء ترسيم منطقة الحدود البحرية الشمالية التي تتراوح مساحتها بين 850 و900 كيلومتر، وأبدت رغبتها في الاستثمار في تلك المنطقة.

وتجاوبت سوريا مع المطلب الروسي فأرسلت رسالة خطية إلى لبنان، تتضمن طلباً رسمياً لاجراء ترسيم المنطقة الحدودية وخصوصاً البلوكان 1 و2.

اذاً، مقابل الترسيم البحري الواقعي والحقيقي الذي أنجز جنوباً، برز الترسيم الوهمي مع سوريا شمالاً ونتيجة تعقيداته وحساسيته بعلم كل المحيطين بالملف، لا يمكن ادراجه سوى في خانة واحدة: لزوم سجل انجازات العهد… لكن حبره طار قبل أن يكتب.

شارك المقال