“رح نكسر الجرّة”!

جنى غلاييني

غداً يرحل رئيس الجمهورية ميشال عون من القصر الجمهوري في بعبدا الى قصره في الرابية، ليحتفي أنصاره البرتقاليون بإنجازاته الوهمية، بينما الآلاف من اللبنانيين ينتظرون هذه اللحظة لكسر جرارهم وراءه وأمثاله.

عون يعرف أن 6 سنوات من عهده كانت ملأى بالأزمات والغربة والموت. كان يعرف كم من الناس فروا في عهده من موت إلى موت، وكم تحولت قوارب الهجرة غير الشرعية إلى توابيت تائهة في قاع البحار. كان يعرف أن الهاربين من الفقر بذلوا لفرط جوعهم ما أمكنهم من سرقة وتسول وتشرّدٍ. كان يعرف أن فاجعة 4 آب جريمة لا يمكن السكوت عنها ولو حاول جاهداً طمس حقيقتها.

رجل الفواجع سيرحل تاركاً أوجاعاً تفوق حجم الوطن! فهل قليلٌ أن نكسر جرارنا وراءه، لتكون “روحة بلا رجعة” له ولأتباعه؟

كسر الجرّة عادة لا يمكن معرفة تاريخ بدئها ولا مصدرها على وجه الدقة، ولكنها معروفة في الكثير من الدول العربية على أنّها ترمز الى توديع النحس والشر. ففي بلاد الشام قديماً كان يعتبر كسر الجرة وراء الضيف ثقيل الظل كناية عن تنفس الصعداء بالنسبة الى المضيف لدى رحيله بعد زيارة طويلة غير مرغوب بها. وفي الموروث الشعبي كانت الجرة تعتبر من المقتنيات المهمة في البيت وهي رمز من رموز “البقاء”، فكان المضيف المحقون يعبّر عن التشفي برحيل الضيف و”يفش” خلقه بتوجيه غضبه نحو الجرة فيكسرها ليشفي غليله، وهي أيضاً تعبير عن بداية جديدة وعودة الحياة إلى طبيعتها ومحو أية آثار لوجود الضيف.

وفي لبنان تعتبر عادة كسر الجرة قديمة جدّاً لكنها لم تعد متداولة كثيراً إلّا في القرى اللبنانية حيث يسارع البعض الى كسر الجرار الفخارية على باب منازله ثم حرقها بعد كسرها، وفي حال عدم وجود جرّة ل يستبدلها بأي وعاء فخاري لكسره جلباً للفرح والاطمئنان.

ولأنّ اللبنانيين “استثقلوا” على مدى 6 سنوات عهد ميشال عون وما نتج عنه من أزمات وانهيارات للوطن، فهم مستعدون اليوم ليس لكسر جرارهم وحسب، إنّما لكسر كل ما لديهم من مقتنيات ثمينة لتبعد عنهم عهد “النحس” الذي كان ثقيلاً عليهم، علّ الأيام المقبلة تجلب معها التفاؤل والخير على الرغم من أنها ضبابية لا نعرف ماذا تحمل معها!.

تقول أم علاء، من بيروت، انّها معتادة في آخر يوم من كل سنة أي ليلة رأس السنة، أن تكسر مقتنيات لديها من الفخار والزجاج لم تعد صالحة للاستخدام لتوديع النحس الذي ملأها خلال العام ولجلب السعادة، وهذا الأمر عادة شعبية ورثتها عن والدتها وتشعرها بإزالة الغم، فتقوم بكسر جرة على باب منزلها إذا وجدت أو مقتنيات من الزجاج ترميها من على الشرفة فيتشجّع معها جيرانها ويرمون ما لديهم من فخار وزجاج مودعين سنة كانت غير مرضية. لكن كسر الجرّة والزجاج عند أم علاء لا يقتصر على توديع سنة قديمة وحسب، “فالأمر اختلف عندي، اذ لن أدع رحيل ميشال عون يقتصر على ترحيب مناصريه له بالورود والشعارات، إنّما دوري كلبنانية أن أودّعه برمي كل ما لدي من على الشرفة تعويضاً عن السنوات الست التي عشناها بحسرة على أولادنا الذين هُجّروا بكلمة منه، ولم يجدوا في لبنان وطناً لهم فلجأوا الى البحار ولقوا حتفهم، وعلى أولادنا الذين ذهبوا مسرعين في 4 آب ليخمدوا نيران العهد فأطفأت ربيع عمرهم وتركتهم ذكرى في ضمير كل لبناني شريف… جرّة مليئة بالحقد والكراهية والأوجاع والحسرة أرميها على عهد لا هوية له، ولنتخلّص من ست سنوات كانت كابوساً كدنا نظن أنّنا لن نتخلّص منه، والحمد لله الذي نجّانا منه، ولا بد من أن يكون العهد المقبل أفضل لأن لا أسوأ من هذا العهد الجهنمي”.

شارك المقال