6 سنوات من الانكفاء العربي عن لبنان

حسين زياد منصور

ساعات وينتهي “العهد القوي”، عهد الرئيس ميشال عون، الذي كان مليئاً بالأحداث والمشكلات التي لا تعد ولا تحصى ان كانت أمنية أو سياسية أو اقتصادية، لم يعرف مثلها اللبنانيون منذ الحرب العالمية الأولى وحتى خلال الحرب الأهلية والاجتياحات الاسرائيلية. وخلال ست سنوات من حكم عون شهدت العلاقات اللبنانية – العربية انحداراً كبيراً وصولاً الى حد القطيعة، إثر السياسات السيئة والتصريحات غير المسؤولة الصادرة عن وزراء ومسؤولين تجاه العرب وخصوصاً دول الخليج وفي مقدمها المملكة العربية السعودية.

لم تكن العلاقة بين لبنان والعرب يوماً علاقة عابرة أو عادية أو سطحية، بل على العكس فما يربطه بالأشقاء أكبر بكثير مما ربطه بسائر أنحاء العالم، ولطالما شكلت هذه العلاقة مجالاً سياسيّاً رحباً ومتنفساً اقتصاديّاً واسعاً أظهر اللبنانيون من خلاله طاقاتهم وتميزهم في دول الخليج وتحديداً بعد اكتشاف النفط والبدء باستخراجه والثورة العمرانية في هذه الدول. وعلى مدى عشرات السنين لم تبخل الدول العربية على لبنان، بل احتضنت كفاءاته وقدمت الدعم له.

منذ ست سنوات والعلاقات اللبنانية – العربية وخصوصاً الخليجية في تدهور، نتيجة التصرفات الحمقاء لبعض المسؤولين، ما انعكس بصورة سلبية على لبنان، الذي مر بمحطات كثيرة أدت الى عزله عن أشقائه العرب، نتيجة السياسات اللبنانية وعدم وضع حدود لبعض الأفرقاء ومنعهم من التدخل في الشؤون الداخلية لبعض الدول العربية والمشاركة في الحربين السورية واليمنية.

استضافت بيروت القمة العربية التنموية الاقتصادية الاجتماعية في كانون الثاني من العام ٢٠١٩، ولم يحضرها سوى زعيمين عربيين فقط، أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني والرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، واكتفت بقية الدول بإرسال مسؤولين حكوميين ووفود لتمثيلها.

عام ٢٠٢١ وفي تشرين الأول انتشرت مقابلة متلفزة لوزير الاعلام السابق جورج قرداحي يقول فيها ان حرب اليمن عبثية وان الحوثيين يدافعون عن أنفسهم ضد اعتداءات السعودية والامارات مما أدى الى توتر العلاقات بين لبنان ودول الخليج، وعلى أثر ذلك طلبت الرياض من السفير اللبناني لديها المغادرة وسحبت سفيرها لدى بيروت، وحذت كل من الامارات والكويت والبحرين واليمن حذوها، واضطر قرداحي بعد مماطلة الى تقديم استقالته.

ولا يمكن نسيان تهريب المخدرات والكبتاغون الى المملكة العربية السعودية، والهجوم اللفظي عليها والتهجم الدائم على مسؤولين سعوديين، الى جانب الأزمة التي سببها وزير الخارجية السابق شربل وهبي خلال احدى المقابلات المتلفزة، في الوقت الذي كان الصمت هو الموقف الرسمي، واكتفى المسؤولون ببيانات استنكار تعبّر عن العلاقات الأخوية بين لبنان ومحيطه العربي من دون اتخاذ إجراءات جدية أو تأديبية، حتى أثناء العزلة التي تعرض لها لبنان، وبعد حظر السعودية دخول الخضراوات والفواكه اللبنانية اليها أو المرور عبر أراضيها الى دولة ثالثة، بسبب تهريب المخدرات.

المحلل السياسي شادي نشابة يؤكد في حديث لـ”لبنان الكبير”، أن “لبنان ارتكز ازدهاره الاقتصادي خلال مرحلة الطائف وما قبله أي قبل الحرب الأهلية وبعد الطائف خلال فترة السلم الأهلي على السياحة والاستثمارات العربية، فعلى سبيل المثال ٨٥% من الاستثمارات الخارجية كانت من دول الخليج العربي. والتحولات السياسية التي حصلت وخروج لبنان من الكنف العربي خلال الحرب السورية وتدخل بعض الأطراف اللبنانية في حرب اليمن أدى الى انكفاء عربي أوصل إلى توترات سياسية وانكفاء اقتصادي على صعيد الدعم للبنان، مع العلم أن الدول العربية عموماً والخليجية خصوصاً وقفت الى جانب لبنان في أوقات مختلفة ان كان في الاستثمار ومراحل اعادة الاعمار بعد حرب تموز وغيرها…”.

ويوضح أن “هذه الأجواء كانت ما قبل عهد ميشال عون بسنوات قليلة وبدأ المسار الانحداري في العلاقات اللبنانية مع الدول العربية والتي كانت تتأثر نتيجة الحربين السورية واليمنية، ولكن بعد مجيء ميشال عون وبدل أن يعمل على تصحيح الأخطاء وعودة لبنان الى الكنف العربي، كما يقول المثل (كب الزيت على النار)، أي بدل تهدئة الأوضاع والعمل على عودة لبنان الى الحضن العربي وعودة العلاقات اللبنانية – العربية بصورة إيجابية، ما حصل كان العكس وتراجعت هذه العلاقات وازداد الانكفاء العربي وشهدنا تارة قطع العلاقات الديبلوماسية وتارة أخرى العلاقات الاقتصادية. واذا أردنا التحدث عن الشق الاقتصادي فهو مرتبط بتصدير البضائع اللبنانية ما تسبب بأكثر من مليار دولار خسارة سنوية على سبيل المثال في هذا القطاع، ولم نتحدث عن الخسارة في بقية القطاعات مثل السياحة والاستثمار”.

ويلفت الى أن “لبنان تأثر سياسياً واقتصادياً ومالياً والدليل ما جرى من انهيار اقتصادي ومالي وطبعاً هو نتيجة سياسات خاطئة، لكن في الوقت نفسه نتيجة خسارته هويته الاقتصادية التي كانت مبنية على الاستثمارات الخارجية والسياحية”.

اما رئيس مجلس التنفيذيين اللبنانيين ربيع الأمين فيقول: “الرعاية العربية والخليجية للبنان كانت منذ ما قبل الاستقلال، وكان للسعودية وتحديداً الملك المؤسس عبد العزيز دور في تكوين لبنان واستقلاله عندما كانت هناك مطالبات لبعض اللبنانيين بأن يكونوا جزءاً من العالم العربي، وكان حريصاً على أن يكون لبنان دولة مستقلة من خلال ضمانات قطعها للبنانيين كي يمضوا في وحدة لبنان واستقلاله. واستمرت الرعاية على الرغم من كل الظروف السياسية وصراع المحاور بين حلف بغداد وجمال عبد الناصر، وظلت الرعاية العربية موجودة ومحيطة بلبنان وصولاً الى الوجود الفلسطيني والأزمات التي سببها وتحمل لبنان فاتورة أكبر من طاقته، وكان العالم العربي ينظر اليه على أنه يتحمل تبعات أكبر منه، وكان هناك دعم معنوي ومالي”.

ويضيف: “استمر الدعم وتنامى خلال الحرب الأهلية والدور الكبير الذي لعبته السعودية من خلال اتفاق الطائف وانجاحه، ثم دخول الرئيس الشهيد رفيق الحريري الى العمل السياسي اللبناني بدعم سعودي مفتوح وكل ما قام به وصولاً الى اغتياله عام ٢٠٠٥. بدأت الأمور تتدهور مع بداية الأزمة السورية بعد تدخل فريق لبناني فيها عسكرياً، وتختلف لدى اللبنانيين في لبنان والخليج وبقية العالم العربي وأيضاً النظرة إليهم اختلفت”.

ويتابع: “بعد وصول ميشال عون الى رئاسة الجمهورية فتحت فرصة للبنان، وكانت أول زيارة له الى المملكة العربية السعودية، التي فتحت له أبوابها وقلبها، وكان هناك نوع من اتفاق ما على قيامه بدور الرئيس الوسطي، ولم يكن المطلوب منه فتح معركة مع حزب الله والغائه كما كان يحكى، بل كان التمني والمطلوب منه أن يكون رئيس دولة، ولكن فور صعوده الى الطائرة عائداً الى بيروت انقلب على كل ما تم التفاهم والاتفاق عليه وسلك اتجاهاً آخر”.

ويشير الى أن “مواقف التيار الوطني الحر كانت منحازة ووضعت اللبنانيين في موقف أجبرهم على الدفاع عن أنفسهم، اما المغتربون وخصوصاً من كانوا في دول الخليج فحاولوا تصحيح الصورة في كل مرة يتطاول فيها أي منهم إن كان بالكلام أو بالعمليات الأمنية التي يقومون بها في مختلف البلاد العربية بسبب المشاركة في الحرب السورية وفي اليمن، أصبح اللبناني موضع شك وعدم ترحيب وان كانت الحكومات العربية والخليجية تسعى الى الإحاطة باللبنانيين والترحيب بهم وطمأنتهم، لكن على الصعيد الشعبي كانت المشكلة في مكان آخر، وهو ما أضر باللبنانيين كثيراً”.

ويذكر بأن “عون قبل أن يصبح رئيس جمهورية، اتخذ وتياره موقفاً واضحاً مع المتدخلين عسكرياً في الشأن السوري أي حزب الله، ضد لبنان وخياراته العربية، وأساساً كان لدى عون وتياره تلك النظرة العدائية تجاه الخليج العربي، والتي عبّرا عنها في أكثر من مناسبة ومحطة إعلامياً وعن طريق مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى سبيل المثال في إحدى المرات خلال فترة حكم الملك عبد الله رحمه الله، رفعا لافتات في جل الديب ووصفاه بالدراكولا ومصاص الدماء، ومن رفعها يدعى طوني اوريو وهو من المنتسبين الى التيار الوطني الحر، وعند محاولة مقاضاته نفيا أن يكون من التيار ولكن تبين فيما بعد أنه من المهمين فيه”.

ويؤكد أن “لبنان هو السياحة والترتيب والأذواق، اما اليوم فتحول الى مخدرات وتصاريح سيئة صادرة عن مسؤولين الى جانب سوء ادارة البلد والأزمات المتنوعة، على الرغم من التميز اللبناني الحاضر في المحيط العربي والقطاع السياحي”، معتبراً “أننا اليوم أمام فرصة لاعادة بناء العلاقات العربية بصورة صحيحة وانتخاب رئيس قادر على أن يقود المرحلة، والمطلوب ليس صعباً، فإذا انتبهنا الى خطاب الملك سلمان في مجلس الشورى، حدد نقاط الأزمة وأيضاً وضع الحلول. اليوم عقدنا اتفاقية وحددنا حدوداً مائية وأصبحت هناك مصالح اقتصادية بيننا وبين العدو، وانطلاقاً من ذلك سيكون هناك سلام بيننا وبينه في الوقت الذي تشهد علاقاتنا مع الدول العربية الكثير من الالتباسات وهو المضحك المبكي”.

انقضى العهد القوي بعد ست سنوات عجاف مرت على اللبنانيين وكأنها ستون عاماً مليئة بالكوارث والمصائب، عزل خلالها لبنان عن أشقائه العرب وحرم منهم في الوقت الذي كان بأمس الحاجة اليهم. اليوم ومع خروج دونكيشوت من القصر، نحن أمام فرصة جدية لاتخاذ موقف واضح وصريح بضرورة العودة الى الحضن العربي الذي لم يبخل يوماً علينا بالحب والعطاء في أشد الأزمات.

شارك المقال