وجوه عهد الفساد القوي!

جنى غلاييني

لا شك في أن كل المسؤولين في المراكز والمواقع المهمة في الدولة يحتاجون إلى فريق عمل متخصص يساعدهم في تسيير شؤون الناس ومقاربة الملفات والقضايا باحترافية وبطريقة علمية، فكيف اذا كان الأمر يتعلق بالمقام الأول في الجمهورية أي رئاسة الجمهورية؟

منذ ست سنوات حين انتخب ميشال عون رئيساً للجمهورية كان هناك رأي عام يقول إنّ صهره النائب جبران باسيل هو الرئيس الظل للجمهورية، وهذا ما ثبت من خلال تدخلاته في الشاردة والواردة في القضايا الوطنية، والتي كانت نافرة وفظة لاسيما في تشكيل الحكومات خلال العهد. وما كان يقوم به باسيل، انسحب على كل فريق عمل رئيس الجمهورية الذي كان يتخذ قراراته بكيدية واستنسابية وفوقية وطائفية واستفزازية إن كان على المستوى السياسي أو القضائي والدستوري أو المالي والاقتصادي، ضارباً عرض الحائط بكل المعايير الأخلاقية والثوابت الوطنية واللياقة الديبلوماسية، وكأن البلد ملك هذا الفريق وليست مهمته فقط مساعدة رئيس الدولة الحكم وليس الطرف.

الصهر المدلّل

الأول على القائمة غني عن التعريف والوصف، فهو أصل الخراب والبلاء والمصائب التي حلّت بالوطن، صاحب الوعود الكاذبة وأبرزها لدى تسلّمه وزارة الطاقة والمياه لمرتين على التوالي الوعد بـ”كهرباء 24/24″.

جبران باسيل، الذي تولى أيضاَ منصب وزير الخارجية والمغتربين لأن عمه ميشال عون، كان تجسيداً بغيضاً للنظام الفاسد بأكمله، فهو الخادم الأمين لـ”حزب الله” وطموحه الدائم كان الوصول الى كرسي الرئاسة.

في العام 2016 أنفقت معظم موازنة وزارة الخارجية على أسفار باسيل من أجل تأمين أصوات الاغتراب لمرشحي “التيار الوطني الحر” وكأنها لم تكن وزارة خارجية لبنان بل مكتب إنتخابي لباسيل، ولكن المشكلة لا تكمن هنا، بل منذ أوّل تسلمه الوزارة خلق عداء للبنان مع عدد من الدول العربية ولا سيّما دول الخليج.

ولا يمكن أن ننسى المقابلة التي أجرتها معه مذيعة قناة CNBC الأميركية، على هامش منتدى دافوس، وأثارت موجة سخرية، لاسيما حين سألته عن كيفية وصوله الى المنتدى، فأجابها متعجباً: “ببساطة لقد جئت على نفقتي الخاصة ولم أكلّف خزينة الدولة قرشاً واحداً”. واستغربت المذيعة الاجابة لتعود وتسأله: “كيف يمكن لوزير لبناني يتقاضى 5000 دولار شهرياً أن يستأجر طائرة خاصّة، هل هي من أموال العائلة؟”، فردّ باسيل متذاكياً: “كلا، إنّها هدية من صديق”. وأغضب كلامه وظهوره في المنتدى اللبنانيين عبر مواقع التواصل.

رسب باسيل مرتين في الانتخابات، وفي كل مرة تأخر تشكيل الحكومة سنة من أجل توزيره. وفصّل قانون الانتخاب الحالي على قياسه فقط من أجل تأمين فوزه.

مطرّز القوانين

ثاني الأسماء على القائمة الوزير السابق سليم جريصاتي مطرّز القوانين وصاحب الاجتهادات الدستورية التي لا تمت الى القانون بصلة خصوصاً المتعلقة منها بالصلاحيات الرئاسية والحكومية، اذ يفبرك القوانين ويفسرها على قياس العهد وتياره السياسي، في الغرف السود في القصر الجمهوري، ما تسبب بتعطيل تأليف الحكومات والقيام بالاصلاحات، وعرقلة العمل القضائي بمعنى أن تكون التشكيلات كما يريد أو يبقي المراكز القضائية شاغرة لسنوات، اضافة الى التعيينات في المراكز الحساسة في الدولة والترقيات العسكرية وغيرها الكثير من العرقلات تحت مظلة الفذلكات القانونية.

قاضية العهد

أما سيدة الاقتحامات القاضية غادة عون التي انتقلت مع بداية عهد ميشال عون من رئيس لمحكمة جنايات في البقاع إلى نائب عام استئنافي في جبل لبنان، فكانت صاحبة المسرحيات القضائية في ما أسمته “ملاحقة الفاسدين”.

بدأت أولى مسرحياتها في العام 2019 حين ادعت على المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان والعميد حسين صالح وضباط آخرين بتهمة الفساد. لتنتقل الى اتهام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بالحصول على قروض إسكان مدعومة بصورة غير قانونية.

وفي العام نفسه أيضاً أصدرت عون أمراً بالقبض على المديرة العامة لهيئة إدارة السير والآليات هدى سلوم، وهي قريبة النائب السابق المحامي هادي حبيش، الذي اتهم بدوره القاضية بالفساد.

في العام 2021، اتهمت القاضية عون حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بالاهمال الوظيفي وخيانة الأمانة بسبب إدارته للدولار المدعوم، وكانت هذه أطول مسرحية تقوم بها بحيث لم تكف عن ملاحقته لمدة 6 أشهر، وأروع مشاهدها حين حضرت الى مصرف لبنان في الحمراء مخالفةً كل القواعد القضائية على الأقل من حيث صلاحيتها المكانية.

كما لا يمكن نسيان المسرحيات الاقتحامية الأخرى مثل عملية اقتحام مقر “شركة مكتف” التي توفى صاحبها ميشال مكتف بذبحة قلبية نتيجة القهر والاهانة والافتراءات التي مارستها عون بحقه.

لم يتميّز عهد المزرعة العوني بتلك الشخصيات المخرّبة فقط، بل كانت لغيرها أيضاً حصة من الاستفزازات والتجاوزات القانونية، ومارست طرقها الكيدية في تطبيق ما يحلو لها “وكلو كرمال عيون الجنرال” لكنها في المقابل أوصلت البلد معه إلى الحضيض.

شارك المقال