من “حزب الله” إلى آخره

الراجح
الراجح

“نحن أسياد هذه الأرض بعدما استعدناها من محتّليها لنعيد لبلدنا حرِّيَّته وسيادته” (وعلى الطريق أمجاده). هل يصدِّق أيّ عاقل أنَّ هذه الكلمات صدرت وتصدر، وفي شكل شبه يوميّ، عن مجموعة “حزب الله” وحليفه التَّيار العونيّ، وحيث نجد على المقلب الآخر الكلام نفسه يصدر عن القوى السِّياديَّة موجَّهاً ضد منظومة الحزب والتَّيار، وهكذا يلتقي النقيض مع نقيضه برفع الشعارات نفسها؟

هذه الشَّعبويَّة الدَّائمة تُحتِّمُ لقاءَ الأضدادِ في اعتمادِ لغةٍ سياسيَّة واحدةٍ يستخدمونها بادِّعائهم أنَّهم، كلّ من موقعه، من يمثِّل الشّعب.

الشَّعبويَّة هي فلسفةُ السَّيطرة. لذلك إذا تعمَّقنا في الخطاب السِّياسيّ لهؤلاءِ الأضدادِ، نجدُ التَّلاقي بينهم بدأً بالتَّعميمِ وانتهى بنظريَّة المؤامرة.

كون الشّعبويَّة فلسفة السَّيطرة، نرى أن الشَّعبويّين هم أوَّل من ينتهك قيمَ الدّيموقراطيَّة من موقعِ تَّنصيب أنفسهم بأنَّهم قادةُ الوطن وهم مَنْ يقرِّر مصيرَه ويتحكَّم بحاضرِه ومستقبلِه.

هلْ حاولَ الشَّعبويّون أن يقدِّموا حلًّا لمشكلات الوطنِ وأزماتِهِ غير الخطابات والمطالعات عن عجزِهِم بسبب منعِهِم من الوصولِ إلى الحلول (وهذا ناتجٌ عن شراسةِ المؤامرةِ) الأميركيَّةِ – الصُّهيونيَّةِ (سابقاً)؟ وفي المقلبِ الآخر، أي السِّيادي، فالأسباب في الانهيار تعودُ إلى طبيعةِ القوى الحاكمة وسيطرتها على النِّظامِ السِياسيّ والإقتصاديّ، وارتباطها بمصالحِها الذَّاتيَّة على حسابِ الوطنِ والشَّعبِ، وهكذا!.

بعد التّرسيمِ، لا بُدَّ من مبروكٍ لِمَنْ يراهُ حلًّاً “عادلاً وممكناً”.

مبروك لعبة الحربِ والسَّلام، لأنَّها بأمانة فوق طاقتِنا وتحت طموحِنا.

السَّلام، الحرب، أو مسألة الشَّرقِ الأوسطِ “مسألة دوليّة” منذ اليومِ الأوّلِ لولادتِها وحتّى السَّاعة الأخيرة وما حملتْهُ من تطوُّرات. فأنظمتنا وحدودنا الحاليَّة، في الأساس، ليست من صنعِنا ولا من حصيلةِ نضالِنا، بل هي مخاضٌ ونتيجة صراع ومصالح دولٍ كبرى.

“وكلَّما كَبُرَت اللُّعبةُ، قلَّ عددُ الأبطال وكَثُرَ عددُ الضَّحايا”، كما يقول الرِّوائيّ الرّوسيّ تشيكوف.

لو رَجِعْنا إلى ممارسةِ دورِنا، أي “التَّوقع والتَّصوُّر”، تاركينَ للحكّامِ والمسؤولين “حلّ التَّراكمات”، لبدَأْنا مِنَ الصِّفر، من المطالِب الأساسيَّةِ الَّتي حقَّقتْها شعوبُ الأرضِ قاطبةً قبلَ أكثرِ من مائةِ عام.

ما نريدُه هو عقدُ صلحٍ منفرد، أو جماعيّ، بين حكَّامِنا وبَيْنَنا؛ صلحٌ علنيٌّ واضحٌ وخطيّ ومُصَدَّقٌ عليه مِنَ الطَّرفين.

نريد صُلْحاً يتضمَّنُ إقراراً للمواطنِ بحقِّه المقدَّسِ في المشي حرّاً، وفي النَّومِ في بيتِهِ آمِناً. حقه المقدَّس في اختيارِ معتَقدِهِ ومذهبِهِ ومهنتِهِ من دون أيّ لاجِمٍ أوْ عائِقٍ.

نُريدُ دستوراً مكتوباً دائماً وثابتاً يُحدِّدُ حقوقَ المُواطِنِ على الحاكمِ، وواجباتِ الحاكِمِ أمامَ شعبِه.

سبعون سنةٍ وأكثر منْ حُكمِ الفَردِ الواحدِ والحزبِ الواحدِ و”المنطقِ الواحدِ” تحمَّلْناها لأنَّنا وُضِعْنا في “حالةِ حربٍ مع إسرائيل”. تحمَّلْنا تَضْحيات لا حصرَ لها، ساكتينَ عن المطالبَةِ بحقوقِنا الإنسانيَّةِ البسيطةِ لأن “الظّروف” لَمْ تكنْ مؤاتِيَة.

سبعونَ سنة وأكثر عُلِّقَتْ فيها دساتير واستُعيضَ عنها بحالاتِ طوارئ تذلُّ مَنْ تشاء وتَرفَعُ مَن تشاء، نُصِّبَ في أثنائِها الإسكافيّ “مُفكِّراً”، والمهرِّج “أديباً”، ومعدوم الكفاءةِ “دماغاً فوقيّاً”.

أكثرُ مِن سبعين سنةٍ عِشناها وكانت الأصعب علينا السَّنواتِ الَّتي تزيدُ عن العشرين الأخيرةِ وما تحمّلناه خلالها من خسارةٍ وعلى كلِّ المستوياتِ مِن قتلٍ وتدمير، وأخيراً، دمار للبُنى الإقتصاديَّةِ والإجتماعيَّة.

وخِتامُها إطلالة الشَّعبويّ الكبير الَّذي حدَّثَنا عنِ القضاءِ المُستَقِلِ وكأنَّهُ تركَ لنا غير “قانونِ القضاءِ والقدرِ” والذي بموجبه ومن نتائجِهِ هجرة الأدمغةِ والعقولِ إلى عواصم الدُّنيا حيث القوانين والدَّساتير واحترامِ الإنسان.

كلّ ذلك تحمَّلناهُ وصبرْنا عليه لأنَّنا كنَّا في حالةِ حربِ تحرير ضدّ إسرائيل. حربٌ لا مجالَ فيها للاجتهاد أوْ لِتَعدُّدِ الآراء لأنَّ العدوّ على الأبواب.

أما وأنّ “عدوّ” الأمس قد يصبحُ “صديقًا”؛ أما وأنَّ “عدو” الأمس قدْ يتحوَّلُ مِنْ غاضِبٍ ومعتدٍ وتوسعيّ إلى حالةٍ “بسيكولوجيّةٍ” تُعالَجُ بالخُطَبِ والبياناتِ والرسائلَ المُتَبادلة…!.

أما وأن الأبواب الموصَدَة سابقاً في وجه العدو، قد فُتِحَت، فَلَمْ يَعُدْ ممكِناً ولا مقبولاً أن تظلّ موصَدة ومُقْفَلَة في وجهِ النَّاس الذين حُرِموا الهواءَ النّقي لِأكثرِ مِن عِشرين عاماً.

نريدُ ونطالبُ بصلحٍ واضحٍ و”شجاعٍ” علنيّ ومُذاع بين حاكمي الحرب ومَحكومي السَّلام، لأنَّ بعد هذه السِّنين من القهرِ والدِّيكتاتوريَّة والصّنميّة ودهرٍ من العذاب، أُرْهِقْنا وشُرِّدْنا وفُرِّقْنا أكثر مِمَّا تَفرَّقَ أجدادُنا وتعذّبوا بعد “حرقِ سدوم وعموره”… إلى آخره.

شارك المقال