هل يعزّز الانقسام الماروني الحظوظ الرئاسية لقائد الجيش؟

زياد سامي عيتاني

إذا كانت في الماضي سادت عبارة “كلّ ماروني مرشح رئاسي”، فقد استُبدلت خلال العقد الماضي بعبارة “كلّ قائد جيش مرشح للرئاسة الأولى”، وذلك بسبب الانقسام السياسي الحاد في البلاد، وتحديداً بين الكتلتين المسيحيّتين في البرلمان، وهو امتداد للصراع المزمن بينهما الذي بدأ بمعارك عسكرية طاحنة ومكلفة على الصعيدين الوطني العام والمسيحي خصوصاً، خلال ما عرف بـ “حرب الإلغاء”.

لذلك، ومع اقتراب كلّ إستحقاق رئاسي تتجه الأنظار الى قائد المؤسسة العسكرية ليكون مرشحاً مارونياً قويّاً بإجماع كلّ اللبنانيين، ومستقلاً عن أيّ انتماء الى أيّ فريق مسيحي، باعتبار الجيش اللبناني الذي هو على رأس هرميّته القيادية والأجهزة الأمنية باتوا الوحيدين الضامنين للسلم الأهلي والاستقرار، من دون أن يتأثروا بالصراعات السياسية على السلطة، بحيث أثبتوا في أخطر المراحل التي مرّ بها لبنان حكمة قياداتهم في معالجة الاضطرابات الأمنية بوعي وعقلانية وتدبير، تفتقدها الطبقة السّياسيّة بأكملها.

هذا الكلام، ليس هدفه الترويج لقائد الجيش الحالي العماد جوزيف عون، إنما يندرج في سياق طرح اسمه كمرشح توافقي لرئاسة الجمهورية، في ظل المواقف المتباعدة بين الأطرف السياسية والكتل النيابية، التي تحول دون إمكان التوافق على إسم يمكن أن يحظى بالعدد المطلوب من أصوات النواب، تخوّله الوصول إلى قصر بعبدا، خصوصاً وأن العماد عون يحظى بإحترام عابر للطوائف، ويُعتبر بعيداً عن السياسات الحزبية، ويتمتّع على المستوى الشخصي بتقدير خارجي، أضف إلى ذلك أنه في تجربته لم يراعِ القوى السياسية في التعيينات والمهمات العملانية، بل اعتمد في ذلك على التراتبية والكفاءة العسكرية، إيماناً منه بأنّ ولاء العسكري والضابط هو حصراً لمؤسّسته وقيادته وليس للطائفة أو الزعيم.

لكن لا بدّ وعلى سبيل الأمانة وإنصافاً للرجل، من التأكيد نقلاً عن المتواصلين معه أنه ينفي بصورة قاطعة رغبته في الرئاسة، أو سعيه للوصول إليها، على الرغم من تداول الاعلام اسمه، ويعتبر أن ذلك لا يعدو كونه مجرد تحليلات وإجتهادات.

وفي الوقت نفسه، يؤكد الجنرال عون أمام زواره، أن اهتمامه محصور بأمرين أساسيين، هما:

– الحفاظ على الاستقرار.

– تحصين المؤسسة العسكرية وتأمين متطلباتها، خصوصاً وسط هذه الظروف الصعبة، كون هذه المؤسسة، وعلى الرغم مما تعانيه من شح في الموارد وتدهور قيمة الرواتب وتزايد الاحتياجات، تكاد تكون الوحيدة بين المؤسسات الرسمية الأخرى، التي تحافظ على استمراريتها وتنفّذ مهامها على امتداد خارطة الوطن، متجاوزة كلّ الظروف البالغة الصعوبة، بحيث يجهد القائد في سبيل حصول الجيش على مساعدات مالية ولوجستية بصورة دائمة ومتواصلة من دول عربية وغربية، تراهن على أن الجيش هو الضمانة الأخيرة للحفاظ على لبنان.

وفي رأيه، بحسب من يلتقون به، أنّه في حال انهارت المؤسسة العسكرية لن تبقى رئاسة جمهورية حتى يتنافسوا عليها، جازماً بأنّ الجيش هو صمام الأمان للوطن والمؤسسات، ولا أولوية حالياً غير المحافظة عليه وتعزيز مناعته.

غير أنّه وبمعزل عن قناعة الجنرال عون الذاتية الرافضة لتولي منصب الرئاسة الأولى، التي يرى فيها عارفوه رغبة حقيقية، وليست مناورة سياسية، يبقى اسمه من الأسماء الجدّية المتداولة في الأروقة السياسية وعواصم القرار.

ومما يزيد من الحظوظ الرئاسية للعماد عون أنّ التركيبة الحالية للبرلمان لا تسمح لأيٍّ من الإصطفافات النيابية بإيصال مرشّح لا يتمتّع بتوافق واسع إلى سدة الرئاسة، خصوصاً إن لم يكن يحظى بتأييد واحد من الكتلتين المسيحيتين الأساسيتين كحد أدنى، ولاسيما بعد إقرار زعيمي هاتين الكتلتين سمير جعجع وجبران باسيل باستحالة وصول أحدهما إلى سدة الرئاسة، فيما أنّ حظوظ الشخصية المارونية الثالثة غير مكتملة حتى الآن.

لكن يُسجل للوزير سليمان فرنجية أنّه يختلف عن جعجع وباسيل في تعاطيه الواقعي مع مسار الأمور، بحيث أثبتت العديد من المحطات والأحداث السياسيّة التي كان في صلبها أنّه يتمتع بقدر من “البراغماتية” التي تجعله غير متهور وبعيداً عن الانفعالات في ردود فعله على المواقف والخيارات السياسية التي إما تستهدفه، أو التي لا تتوافق مع قناعاته.

لذلك، فإنّ كلّ واحد من قطبي الموارنة (جعجع وباسيل) سوف يلجأ إلى خطط بديلة في مقاربته للملف الرئاسي، بحسب مصالحه وحساباته السياسية، مما سيزيد الوضع تعقيداً وتأزماً، بحيث يخشى حصول اضطرابات وقلاقل “ميني حرب إلغاء” بين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”، (حادثة “صار الوقت” نموذج مصغر)، قد تبلغ حدّ الفوضى الأمنية، التي تدفع قيادة الجيش اللبناني الى التدخّل المباشر، بما يشبه حالة طوارئ أمنية من دون إعلانها، للإمساك بزمام الأمور، منعاً لتوسّعها وإنتشارها.

بالنسبة الى جعجع، فهو يدعو إلى إختيار رئيس مواجهة ضد “حزب الله”، كي يتمكّن من التأثير في سير المفاوضات حول المرشح التوافقي.

أما باسيل، فيحاول ضمان أن يوافق أيّ رئيس جديد على شروطه المستحيلة إذا أراد أن يحظى بدعم “التيار الوطني الحر”، بهدف التمهيد لانتخابه رئيساً بعد ست سنوات.

لكن يبقى السؤال، من هو الشخص الذي سيقع عليه الخيار كرئيس توافقي؟

يحضر اسم جوزيف عون بقوة كشخصية تملك الحظوظ الرئاسية الأوفر، ويرى فيه سياسيون أنّه “رئيس عاقل حكيم”، على الرغم من كونه قادماً من خلفية عسكرية، ويحظى بإحترام محلي ودولي، ولا يشكّل إزعاجاً لـ “حزب الله”.

فقد أبدى قائد الجيش طيلة توليه منصبه إنفتاحاً على مختلف الأطراف، مع تمسّكه في الوقت نفسه بالوقوف على مسافة واحدة من الجميع، مستنداً إلى معادلة أن ليس له عدو أو خصم في الداخل.

فهل يكون جوزيف عون الذي وحده من بين الأسماء المتداولة للرئاسة يجمع هذه الخصائص، إزاء الانقسام الماروني العمودي، الأوفر حظاً للعبور إلى طريق بعبدا؟

بإنتظار نضوج الظروف الداخلية والخارجية لحسم إسم الرئيس العتيد، تبرز إشكالية دستورية تعوق ترشّح قائد الجيش للرئاسة إن لم يستقل قبل سنتين من منصبه، إلا في حال تعديل الدستور، وهذا يتطلّب وجود حكومة غير مستقيلة.

فهل بمقدور رئيس السلطة التشريعية الساحر الماهر الرئيس نبيه بري إخراج أرنب، يمهّد الطريق الدستورية لانتخاب قائد الجيش رئيساً للجمهورية؟

شارك المقال