الشغور… تراشق اتهامات ومسؤوليات

هيام طوق
هيام طوق

جلسات انتخاب رئيس الجمهورية التي تحولت الى مسرحية أسبوعية تعرض على مسرح مجلس النواب، دخلت في دوامة عقيمة اذ أصبح لدى الجميع قناعة بأنها لن تؤدي الى انتخاب رئيس جديد طالما أن فريق الممانعة ينتخب بالورقة البيضاء، ويعطل النصاب في الدورة الثانية، وفريق المعارضة لم يتمكن من تأمين 65 صوتاً لمرشحه النائب ميشال معوض.

وفيما يتظهر شيئاً فشيئاً عمق الخلاف بين الكتل النيابية والجهات السياسية حتى على تفسير الدستور في ما يتعلق بآلية الانتخاب والنصاب، تدرس قوى المعارضة خيار مقاطعة الجلسات التشريعية في حال دعا اليها رئيس مجلس النواب نبيه بري على اعتبار أن الأولوية اليوم لانتخاب رأس الدولة .

وفي ظل هذا الانسداد الرئاسي، كثرت التحليلات والتوقعات فتحدث بعضها عن تسوية قوامها التوافق على رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة في سلة واحدة بحيث تسمّي الموالاة رئيس الجمهورية، وتسمّي المعارضة رئيس الحكومة، لكن هذه التسوية تبقى في اطار النظريات وغير مطروحة على طاولة البحث بحسب ما أكد نواب من مختلف الكتل لموقع “لبنان الكبير”، والتشاور يركز اليوم على إجراء الاستحقاق الرئاسي، ثم تكلف شخصية لتشكيل حكومة وفق الآلية الديموقراطية. كما أفادت معلومات بأن طبخة الرئاسة توضع على نار هادئة في الخارج، لكنها لم تنضج، وظروف انتاج الرئيس لم تتوافر بعد. ويبدو أن كل المؤتمرات الدولية أو طاولات الحوار التي حُكي عنها، في محاولة لخرق الجدار الرئاسي، لم تكن واقعية أكثر مما هي نظريات تم تداولها مع المعنيين. أما على الصعيد الداخلي، فقد اقترح الرئيس بري مبادرة تقضي بالتحاور بين مختلف القوى السياسية على أمل اخراج الاستحقاق الرئاسي من عنق زجاجة التعطيل، لكنها لم تجد سبيلها الى التطبيق بسبب اعتراض أكبر فريقين مسيحيين عليها، هما “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”.

من هنا يحمّل البعض مسؤولية الشغور الرئاسي للجانب المسيحي انطلاقاً من أن “القوات” تتمسك بمرشحها الذي يعتبره الفريق الآخر مرشح تحدّ، ولن يسمح بإيصاله الى سدة الرئاسة، كما أن رئيس الحزب سمير جعجع لا يريد التعاون أو الاتفاق مع رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل، كأكبر كتلتين مسيحيتين، على اسم معين، وهو يرفض رفضاً قاطعاً وصول رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية إلى قصر بعبدا. أما لناحية “التيار” فلن يقبل بدوره بالتصويت لفرنجية، كما لن يرضى أن يكون الرئيس المقبل من ضفة المعارضة المسيحية أو قائد الجيش العماد جوزيف عون.

والسؤال الكبير الذي يطرح: هل فعلاً يتحمل المسيحيون مسؤولية الشغور الرئاسي أو أنها حجة لفريق لم يتمكن حتى اللحظة من تأمين أكثرية حول اسم معين؟

أشار النائب رازي الحاج في حديث لـ “لبنان الكبير” الى وجوب “مقاربة الموضوع من زاويتين: أولاً، في انتخاب الرئيس، هناك نص دستوري واضح يتحدث عن كيفية الانتخاب ضمن المهل الدستورية، وفي حال حصل الشغور. يجب أن تطبق مواد الدستور المتعلقة بانتخاب الرئيس بحيث نحضر الجلسة، ولا نعطل النصاب في الدورات التي تلي الدورة الأولى، وننتخب رئيساً من خلال دورات متتالية بعد أن يحصل أحد المرشحين على 65 صوتاً. ثانياً، فريق الممانعة يحاول اخفاء معاناته في عدم امكانه التوافق على اسم مرشح، وبالتالي، ليس لديه مرشح ينتخبه في الجلسة، ولا يطرح أسماء توافقية”.

ورأى أنه “لا يمكن تحميل المسؤولية للمعارضة وللكتل السياسية التي حسمت أمرها في حضور الجلسات، والتصويت لاسم معين، وعدم تعطيل النصاب. لا يمكن أن نوجه الاتهام الى هذه الفئة بالتعطيل بينما الطرف الآخر يحضر الجلسة، ويصوّت بأوراق بيض، ويعطل النصاب في الدورة الثانية”، معتبراً أنها “قمة الوقاحة والاستهتار في تحميل الفريق الآخر مسؤولية الشغور لأنه لم يقبل بالرئيس الذي يريده فريق الممانعة”.

وقال: “في حال اعتبروا الاسم الذي نصوّت له مرشح تحدّ، فليطرحوا هم بدورهم اسم تحدّ، ويصوّتوا له في المجلس، ومن يحصل على 65 صوتاً يصبح رئيساً للجمهورية. لا يمكن أن نتعامل مع الدستور على أنه وجهة نظر. نحن متمسكون الى أقصى الحدود بتطبيق الدستور، وعلينا أن نتعود أن اللعبة الرئاسية لن تتم كما في السابق حيث كان يسقط اسم الرئيس على مجلس النواب”.

أما النائب إدغار طرابلسي، فأشار الى أن “الشغور الرئاسي ليست له علاقة بأفرقاء انما بطبيعة البرلمان المشتت والمؤلف من مجموعات صغيرة، وامكان الجمع بينها ليس سهلاً مما يقتضي ضرورة التفاهم والحوار والنقاش المستمر بين مختلف الكتل”، مشدداً على وجوب “السعي الى رفع عدد التجمعات والكتل للوصول الى أكثرية يمكنها أن تنتخب رئيساً للجمهورية. اذاً، القضية ليست طائفية على الرغم من أن الكلمة الأولى للمسيحيين في تسمية مرشح يمكن أن يجمع الكل حوله، لكن الشغور سببه تركيبة البرلمان التي تشكل صعوبة غير معهودة”.

وأوضح أن “التصويت بورقة بيضاء هو تصويت، وعمل ديموقراطي كما أن اللجوء الى هذا النوع من التصويت يهدف الى عدم حرق أسماء معينة. ونحن على استعداد لمناقشة الأسماء التي تجمع حين يكون الأفرقاء مستعدون لذلك، وتقدمنا بورقة الأولويات الرئاسية. وبالتالي، العملية الانتخابية ليست مسألة اسم شخص بقدر ما هي مسألة أولويات. نريد أن نعرف برنامج المرشح لأنه عندما يصل الى سدة الرئاسة، ولا يتفق الأطراف على برنامجه، تتم عرقلته”.

ولفت الى “الأفرقاء الذين يسمّون بعض الأسماء، ولا يمكنهم تأمين الأكثرية لها. لذلك، الحوار الزامي والنقاش الجدي ضرورة للتوافق على مرشح يجمع. ونحن منفتحون على الأولويات التي تطرح، واذا توافرت النوايا يمكن أن نصل الى النتيجة المرجوة”.

شارك المقال